فکر و تنمیة

الاندماج الاجتماعي … انصهار الانسان في الحياة الجديدة

بعد ايّة ازمة تعصف بمنطقة ما يعيش سكان هذه المنطقة ازمات نفسية وانكسارات كبيرة، مما يجعلهم مفضلين الانعزال والانزواء طلباً للراحة النفسية او بسبب انعدام الثقة بالمحيط الاجتماعي الذي يرحلون اليه قسراً، وفي مثل هذه الحالات تظهر حاجة الى زج المغتربين والقادمين الى مجتمع مغاير في بطون ذلك المجتمع، هذه العملية تعرف بـ(الدمج الاجتماعي) والتي تمنح الانسان امناً نفسياً عبر شعوره بالانتماء الى الجماعة ومشاركته لفعالياتها المختلفة.

📌 يساهم المدى الأعلى للاندماج الاجتماعي في تقريب المسافة الاجتماعية بين المجتمعات، وجعل والقيم والسلوكيات أكثر اتساقاً

ويعرّف الدمج الاجتماعي:  بأنه “حالة تعيشها الجماعات الخارجة عن نطاق المشاركة الرسمية، سواء كانت سياسيّة أم اقتصادية أم غيرها، أم الأفراد المغتربين الذين لا ينتمون إلى ثقافة المجتمع، أوالأقليات التي تعيش منفصلة داخل المجتمع، أو الإقصاء الطبي بين طبقات المجتمع، ومن هنا يمكن استيعاب مفهوم الاندماج الاجتماعي بأنه تضمين جميع الفئات والجماعات من الناحية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، بغرض تحسين الأوضاع وإبعاد التفرقة وحالات التمييز، وتكون مسؤولية الاندماج تقع على عاتق المجتمع والفرد”.

  • ما الفرق بين الاندماج الاجتماعي والامتثال الاجتماعي؟

يحتاج الانسان ليكون فرداً في جماعة دائماً وبالتالي يشعر انه مقبول اجتماعياً ومن هذه الحاجة يميل الى التغيير في سلوكه واعتقاده استجابة لضغط الجماعة مع عدم وجود قيود تجبر الفرد على الامتثال، اما الاندماج فهو النتيجة النهائية لعملية الامتثال وقد تكون وهي غير ذاتية بعكس الامتثال الذي يعتبر ذاتي وبأرادة الفرد ورغبته ايضاً .

يساهم المدى الأعلى للاندماج الاجتماعي في تقريب المسافة الاجتماعية بين المجتمعات، وجعل والقيم والسلوكيات أكثر اتساقاً، ويجمع مختلف المجموعات العرقية بغض النظر عن اللغة أو الطبقة أو العقيدة، ودون أن تفقد هويتها، إنه يتيح الوصول إلى جميع مجالات الحياة المجتمعية ويزيل الفصل بين مكوناتها.

لسوء الحظ اننا نعيش في منطقة تغلي على صفيح ساخن على الدوام من حروب عسكرية وازمات اقتصادية واقتتال طائفي، فما ان تضع حرب اوزارها حتى يشتعل لهيب حرب اخرى من هذه الحروب، حتماً ستخرج خسائر مادية واخرى معنوية كبيرة، وبالعادة الخاسر الاكبر هو الانسان الذي يفقد جزء من جسده او عملة او احد افراد عائلته او صديق او زميل مما يجعله يقبع في وسط من الحيرة والألم النفسي والانكسار الروحي، ومثل هذا النوع من البشر وما اكثرهم يكونون اكثر الناس بحاجة الى اعادة تهيئتهم نفسياً ليعودوا الى ممارسة اعمالهم ومهامهم الحياتية التي غادروها مجبرين لا مخيرين.

📌 ان الطفل في مثل هذا العمر ينقصه الوعي لتقبل حقيقة ان العمر محطات يكمل بعضها البعض ولا يمكن لاي احد ان يستقر في محطة واحدة لان ذلك يعني توقف النمو لدى الانسان

كما ان الافراد الذين يحطون رحالهم في بيئات اجتماعية جديدة غير تلك التي اعتادوا العيش فيها سواء بإرادتهم طلباً للرزق او الدراسة او كرهاً بسبب ظرف ما اجبرهم على ترك البيئة الاصلية، كما حصل مع مئات الالاف من العراقيين ان لم يكن الملايين منهم الذين غادروا البلد بحثاً عن امان، او غادروا مدنهم ليسكنوا في مدن اخرى داخل العراق كما حصل مع التركمان الشيعة مثلاً، إذ ان الكثير منهم يصعب عليهم الاندماج مع المجتمع الجديد بسبب اختلاف الثقافات وطبيعة السلوكيات اضافة الى اختلاف البيئة الجغرافية، في مثل هذه الحالة ايضاً يحتاج الى الانسان تسهيل عملية اندماجه بتسهيل بعض الاجراءات ومحاولة التقريب بين البيئات ليتمكن الانسان من العيش ومعاودة العمل ثانية.

و الاطفال الذين ينتقلون من مرحلة حياتية الى اخرى يكونون بحاجة الى تسهيل اندماجهم في التجربة الجديدة، على سبيل المثال حين ينتقل الطفل الى مرحلة المدرسة في الغالب لا يحبون المدرسة على اعتبار انها تفتقر الى وجود الام والاب والطعام وباقي التفاصيل التي يعيشها في المنزل، سيما ان الطفل في مثل هذا العمر ينقصه الوعي لتقبل حقيقة ان العمر محطات يكمل بعضها البعض ولا يمكن لاي احد ان يستقر في محطة واحدة لان ذلك يعني توقف النمو لدى الانسان، فوسط عدم التقبل والفوضى الذهنية التي يعيشها الطفل يصبح التدخل من قبل المدرسة والاسرة ذاتها لإدماجه في البيئة الجديدة امر في غاية الاهمية والخطورة، ففي حال لم يتمكن من الاندماج سيغادر هذه البيئة مما يعني فشله وربما خسارة مستقبله.

واخيراً؛ تحتاج فئة المعاقين الى زجهم في صلب النشاط المجتمعي وتأهيلهم للإفادة قدر الممكن من إمكاناتهم  فهم ليسوا عديمي الفائدة بالمطلق لكنهم تنقصهم بعض المهارات وبالدمج من الممكن ان تتوفر هذه المهارات ويصبحون منتجين في مجتمعهم لا علة عليه.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا