لا شك في أن واقعة الطف من الوقائع والأحداث التاريخية التي مرت عليها قرون عديدة ونحن نجد هذه الواقعة تزداد رسوخاً وشمولية في كل ميدان، حتى أصبحت الواقعة التي فرضت نفسها بقوة لتشغل العالم كله، وهذا لم يكن من باب الصدفة، بل حدث يسير وفق تخطيط دقيق لمن يمثلون خط الإصلاح في الأرض، وبذلك شغلت فكر الإنسانية وأخذت مجالها التاريخي الكبير بعطائها الدائم والمستمر، وهي الواقعة الوحيدة التي لو أطلع على أحداثها ومسرحيتها أي فرد من الأفراد مهما كان معتقده وفكرته لما استطاع من ان يملك دمعته وعبرته.
هذا ما قاله جيبون: “إن مأساة الحسين المروعة، بالرغم من تقادم عهدها، وتباين مواطنها، لابد أن تثير العطف والحنان في نفس أقل القراء أحساسا وأقساهم قلباً”(1)، وهذا ما نجده حتى مع الأعداء الذين حاربوا الإمام الحسين، عليه السلام، إذ يروى أنهم بكوا وتأثروا بما رأوه أو سمعوه عن هذه الواقعة، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل الآتي ما سر خلود هذه الواقعة أو الثورة؟
وما الذي يجعلنا نتعاطف معها ؟
📌 أن مأساة الحسين المروعة، بالرغم من تقادم عهدها، وتباين مواطنها، لابد أن تثير العطف والحنان في نفس أقل القراء أحساسا وأقساهم قلباً
هذا لايأخذ بنا الى فهم آخر غير أن ما تعامل به الامام الحسين، عليه السلام، مع أهل بيته وأصحابه بالصورة التي يبرز من خلالها أسمى وأبهى معاني الرقي المجتمعي الذي بحث في الخطاب المشترك والعام، والضامن لإثبات الشخصيات والتعامل معهم كأفراد يمثل كلاً منهم المحور الرئيسي في مواجهة الانحراف الفكري الذي انعكس على تصرف الأمة، إن ذاك من دون تهميش ولاتمييز ولا تضييع لحقوق كل فرد من الافراد الذين كانوا الى جانبه.
فنجده، عليه السلام، تعامل مع جون التركي كما تعامل مع ولده علي الاكبر ونجده تعامل مع بقية اصحابه كما تعامل مع اهل بيته من حيثيات الوجود والتقدير والتكريم الذي يجعل منهم شركاء في مشروعه الالهي، وكذلك التعامل الدقيق مع أعدائه وكيفية إرسال رسائل تكافح وتزيل الحجب التي فرضتها قوى الانحراف والتي أبعدت الإنسان عن جوهرة الحقيقي، كترشيف خيول أعداءه وتقديم لهم الماء ليروي عطشهم وكذلك المبالغة بتقديم النصح لهم من اجل العودة بهم الى إنسانيتهم، وبكاءه عليهم كما جاء في بعض الاخبار.
وكل ذلك يجعل خطاب الطف خطاباً تنموياً يبحث في المشتركات والخطوط العامة والحقوق التي تكفل كرامة الإنسانية وحفظها، وانه خطاب رباني لا ينظر إلى الطرف الأخر على أنهم أعداء بقدر ما ينظر إليهم على أنهم ضحية قوة فكرية، حاول الإمام الحسين، عليه السلام، أن يكشفها عنهم ولو كلفه ذلك نفسه وأهله وأصحابه.
وهذا ما يجعلنا نستثمر هذا التراث الإنساني في تعزيز إنسانية الإنسان وتعريفه بقيمته وكرامته من خلال تقديم هذه الواقعة بشكل دروس تنمي شخصية الفرد في المجتمع بمراحله المختلفة.
- المصادر
1- مير علي، السيد، تاريخ العرب، ترجمة رياض رأفت، مصر، 1938م، 74.