{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}
دعا الامام الحسين، عليه السلام، الى كل ما يوحد الناس في افكارهم وانتمائهم وخياراتهم في الحياة، فالحرية أمام الاستبداد السياسي، والعدالة أمام الظلم، والفضيلة أمام الرذيلة، ولم يأت بجديد من عنده، إنما هو امتداد لسيرة جدّه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، عندما جمع الناس على الأخوة والمساواة والعدالة والحرية وفعل الخير.
وكل ما نقرأ عن ذلك العصر الذهبي نجد عوامل الوحدة والتماسك تجمع القبائل المتناحرة والشعوب المتباعدة بعناوينها و فوارقها الاجتماعية والاقتصادية، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً متناسين الثارات والمصالح الخاصة ليرفلوا في ظل النظام الاسلامي الزاخر بالقيم والأحكام التي تعطي كل ذي حقٍ حقه، بل وتزيد عليه بالإحسان والعفو والحُب في خطوة متقدمة للبناء الحضاري.
📌 لم يتحدث الأصحاب والمقربين من الامام الحسين من أهل بيته، عن انفسهم، وعن طموحاتهم ومصالحهم الشخصية، إنما كان الرجل فيهم يوصي الآخر
لنلقي نظرة على مشهد الطف، لنعرف كيف وحّد الامام الحسين افراد الأمة ممن مثلوا نماذج عملية للطامحين للتغيير الحقيقي؛ الرجل الطاعن في السنّ، والمرأة المتزوجة، والفتاة، والشاب، والعبد الأسود، والمسيحي، والطفل الصغير، وحتى القائد العسكري في الجبهة المعادية، كل هؤلاء اجتمعوا على كلمة الحق الواحدة، رافضين الظلم والتضليل والانحراف عن قيم السماء.
لم يتحدث الأصحاب والمقربين من الامام الحسين من أهل بيته، عن انفسهم، وعن طموحاتهم ومصالحهم الشخصية، إنما كان الرجل فيهم يوصي الآخر، وهما في طريق الموت خلال ساعات، بأن ينصر الإمام وأن يقتل دونه، وشاب صغير (القاسم)، ورث الشجاعة والإباء من ابيه الامام الحسن المجتبى، عليه السلام، ينقطع شسع نعله، وهو في طريقه لمواجهة رجال احترفوا القتل، فانحنى وسط الميدان ليصلح نعله، في مشهد ينحني له التاريخ لما فيه من الشجاعة ورباطة الجأش ما لا يتصوره عقل، وفي ليلة عاشوراء يقول هذا البطل العظيم: لعمّه الحسين: “يا عمّ الموت فيك أحلى من العسل”، والقائد العسكري (الحر الرياحي) يفضّل الموت على حق والفوز بجنان الخلد على العيش بضع أيام مع الظالمين.
كل هؤلاء عرفوا الحق فعرفوا أهله، فاجتمعوا على نصرته، و سطروا تلك الملاحم البطولية، وبعد معرفة الحق؛ التضحية من أجل هذا الحق، لتكتمل الدائرة الايمانية؛ “إقرار باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارج”. يقول أمير المؤمنين، عليه السلام.
إنما المشكلة في أنهم لم يكونوا قوّة و تياراً قادراً على تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي، لأن اجتماع الغالبية العظمى من ابناء الأمة كان عند الباطل، متصورين أن شعارات: “مالنا والدخول بين السلاطين”، و”يكفينا كتاب الله”، يبرر لهم اجتماعهم على المصالح الشخصية والتزلف للسلطان، فيخلقون ما يسمى بـ”الأمر الواقع”، ولكن! {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}، فقد كانوا مجتمعين بقرار سياسي خالٍ من القناعة والايمان، فكانت عاقبة أمرهم الى التشرذم والمثال السيئ للأجيال والتاريخ.
واليوم نلاحظ إصرار الكبار والصغار والنساء وجميع شرائح المجتمع على عدم تكرار ذلك الخطأ التاريخي بترك الامام الحسين وحيداً والتفرق عنه نحو اتجاهات ورغبات مختلفة، فهم يجتمعون للمشاركة في الشعائر الحسينية بمختلف اشكالها، ليجدوا في هذه الشعائر كلما يجول في اذهانهم من مطالب بالحرية والكرامة والعدل والمساواة، وكل ما يخلصهم من الواقع المأساوي في بلدهم (العراق وغيره من البلاد المأزومة).
إنما المهم في كيفية الاجتماع على هذه المطالب العظيمة، فالحضور الحاشد في المجالس والهيئات والشوارع يجب أن يعضده اجتماعاً في القلوب والنفوس ليكون تحقيق تلك المطالب الانسانية على يد تيار جماهيري فاعل، مثلاً؛ عندما يجتمع الشباب ايام عاشوراء وبعدها في زيارة الاربعين، ثم تجتمع قلوبهم على الايمان بقيم النهضة الحسينية وكيف ان الشاب الواعي والشجاع هو القادر على التغيير والإصلاح، فإنهم بكل تأكيد سيشكلوا رأياً عاماً فاعلاً في الواقع الاجتماعي والسياسي في آن.
📌 إن الفائدة من الاجتماع تحت خيمة النهضة الحسينية تحتاج من الفرد بعض التنازلات عن رغبات أو السيطرة على نزعات نفسية لصالح المجموع
كذلك الحال بالنسبة للمرأة المجتمعة في الهيئات الحسينية والمجالس الخاصة بالنساء، وسائر الفعاليات ايام عاشوراء، فانها ستوجه رسالة مدوية للعالم بأن “المرأة العاشورائية” قادرة على تجاوز أي مشكلة أو أزمة تسعى لإثارتها مؤسسات إعلامية وثقافية بالعالم، ولن تكون لدينا أزمة بطالة انحرافات في السلوك لدى بعض الشباب، كما لن نشهد أزمات تتعلق بالمرأة بهذه النسب العالية فيما يتعلق بالعفّة والحقوق والعمل.
إن الفائدة من الاجتماع تحت خيمة النهضة الحسينية تحتاج من الفرد بعض التنازلات عن رغبات أو السيطرة على نزعات نفسية لصالح المجموع، وهذا لا يعني بأي شكل من الاشكال أن الامام الحسين يوحدنا ليلغي خصوصياتنا وتنوعنا، فهذه من السنن الإلهية، بل هي من نقاط القوة في الأمم الناجحة؛ التعدد والتنوع في كل شيء، إنما المهم أن يكون الجميع في طريق واحد لتحقيق ما يطالبون به.