يقول الله ـ تعالى ـ: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
في التاريخ البشري لحظات حاسمة تختصر ما مضى، وتؤسس ما يأتي وتهيمن على التاريخ، ويوم عاشوراء ومناسبة محرم الحرام من اعظم تلك اللحظات، هيمنت على مستقبل البشرية، ومتسقبل المسلمين، ومتسقبل اتباع أهل البيت، عليهم السلام.
ويحق لنا ان نقف طويلا لكي نستوحي عبرها، ونتعلم دورسها، ونتفاعل معها روحيا وقيميا، فحين نقرأ زيارة وارث نقول: السلام عليك يا وراث آدم.. نوح .. وابراهيم. هذه كلمة عظيمة، والإرث يعني: أن كل ما كان هناك من حقائق، وبصائر، انتقلت الى الإمام الحسين، عليه السلام.
ويبدو أن اللحظة المهمة في حياة الإمام الحسين، عليه السلام، هي لحظة عاشوراء، يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله: “لا يوم كيومك يا أبا عبد الله”. هذه الكلمة شاعت على لسان أهل البيت، عليهم السلام، وهم الذين لا ينطقون بالهوى، وإنما ينطقون بمحضها الحقيقة ، فيوم الإمام الحسين، عليه السلام، هو يوم عاشوراء، وهذا اليوم وبساعاته القليلة اختصر تاريخ كل الرسالات الالهية.
وبما أن يوم عاشوراء اختصر كل تاريخ ما قبل ذلك اليوم اليوم، فإن تاريخ ما بعد عاشوراء تأثر ـ وبلا شك ـ بهذا اليوم.
المنبر الحسيني الذي كان ولا يزال مركز الاشعاع في عالمنا الاسلامي، وعالمنا الشيعي، فالآف المنابر منصوبة في كل انحاء العالم فلا تغيب الشمس عن هذه المنبر العظيم، وكلها تتحدث عن يوم عاشوراء، ودروسه، وبصائره، وحقائق ما جرى في ذلك اليوم.
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ
وهنا لابد من طرح سؤال مهم: فكيف نستفيد من يوم عاشوراء؟
الامة الاسلامية هي الامة التي اختارها الله لتكن وريثةً للأرض، وهي الأمة التي قال عنها الله ـ تعالى ـ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. وهي الأمة التي جعلها الله شاهدةً: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}، وهي الأمة الواحدة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.
📌اصلاح الدولة مهم، لكن يجب ان يتم ذلك بعد ان تكون امتنا أمة راشدة، وأمة صاغتها رسالة الله، فتكون أمة أمير المؤمنين، عليه السلام، وامة الامام الحسين، عليه السلام.
هذه الأمة هي التي يجب أن نتحدث عنها وكيف يجب أن ترمَّم ويعاد صياغتها وفق عاشوراء، فعبر هذا اليوم الذي هو ميزانا نعرف به أين موقع أمتنا؟ وكيف يتم صياغتها من جديد لتكن تلك الامة التي اراد الله أن تكون.
كثير من الناس في عالمنا الاسلامي، وبالخصوص في بلادنا؛ العراق، وايران، يهتمون بالامور السياسية، ولاريب أن السياسية لها أهمية كبيرة، ورد في الحديث: إذا فسد السلطان فسد الزمان”، “والناس على دين ملوكهم”، يقول الله ـ تعالى ـ في قضية بلقيس: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.
السياسية مهمة؛ لكن مركز الثقل في امتنا الاسلامية ليست السياسة، لانها ظاهرة اجتماعية من ظواهر هذه الأمة.
الامة الاسلامية؛ مجموعة الناس الذين ينتمون الى الدين؛ من الكبار، الصغار، من الطبقة الفقيرة، والغنية، ومن جميع العناصر المختلفة، وإذا اراد الانسان معرفة هؤلاء بعين مجردة فسيجد هذا التنوع في يوم عرفات، وفي مكة المكرمة وهم يطوفون حول الكعبة المشرفة في المسجد الحرام، ويجدهم ـ أيضا ـ بصغية أخرى في كربلاء المقدسىة في أربعينة الامام الحسين، عليه السلام، الذين ينصهرون جميعا في بوتقة واحدة وهي راية الإمام الحسين، عليه السلام.
وعلى الخطباء والموجهين أن يرمموا هذه الامة، لأن الامة اذا صلحت، صلحت قيادتها، وسيادتها، وقيمها، وهذه الأمة خير أمة لانه {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}.
اصلاح الدولة مهم، لكن يجب ان يتم ذلك بعد ان تكون امتنا أمة راشدة، وأمة صاغتها رسالة الله، فتكون أمة أمير المؤمنين، عليه السلام، وامة الامام الحسين، عليه السلام.
📌الشجاعة نتعلمها من القاسم بن الحسن، والاستقامة من زينب الكبرى، ودرس الثقة بالذات نتعلمه من كل فرد كان في أرض كربلاء يوم عاشوراء، سواء الطفل الصغير أم المرأة الكبيرة
الأمة حينما تكون بهذه الصياغةـ صياغة أهل البيت ـ تصلح السياسة، وذلك إذا اصبحت السياسية منحرفة، وتقوم ضد الفساد ـ كما حدث في الثورة الاسلامية في ايران ـ بعد أن عجزت الامة عن اصلاح السياسة بالطرق السلمية، قامت بثورتها وغيرت الأمور.
الامة تقوي الدولة؛ ففي العراق ـ مثلا ـ حين عجزت الدولة عن مواجهة الارهاب الداعشي، قيّض الله أبناء الامة، وتغيرت المعادلة، وتقولبت الأمة تحت مسمى (الحشد الشعبي)، وقبل أن يكون منظمة عسكرية، كان التحرك جماهيريا، ثم تموجت هذه الحركة الى أن اصحبت ما هي عليه اليوم.
وكذا في الجمهورية الاسلامية في ايران، حين قامت الدول الكبرى بدعم النظام البائد في العراق حينما شن الحملة العسكرية على ايران، قام الشعب الايراني، وهو الذي غيّر المعادلة.
الأمة الاسلامية تسدّد الدولة، وفي نفس الوقت تؤيدها، لو أن المسلمين في العراق وايران، قرروا ان ينهضوا بهذه الدولة، حتى تصبح خير دولة، لانهم خير أمة، ولو حدث ذلك لرأينا الأراضي ترزع، والصناعة تنتعش، والتجارة تنمو وتكون رابحة، وتصبح العلاقات الاجتماعية في أفضل حالاتها، وبالتالي تنعدم الرشوة والجريمة، وما شابه.
- مسؤولية الخطباء الحسينيين
على الخطباء ان يستفيدوا من هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، وهي لحظة عاشوراء، لإعادة صياغة أمتنا، فكيف الطريق الى ذلك؟
أولا: روح التضحية والعطاء: لا ريب أن قضية عاشوراء قمة في العطاء والتضحية، ومدرسة متكاملة للحماس الايماني؛ من طفل صغير كعلي الاصغر، الى الرجل الكبير كحبيب بن مظاهر الاسدي.
ثانيا: الخلق الرفيع: ملايين البشر من المؤمنين وغيرهم، استوعبوا درس الوفاء من أبي الفضل العباس عليه السلام، في يوم عاشوراء، لأن الكلام لا يؤثر كتأثير الفعل، وكذلك استوعبوا الايثار من علي الأكبر، فحينما عاد من المعركة ثم ذهب الى المخيم ليودع النساء، فجاء الامام الحسين، على باب الخيمة وقال: اتركوه فإنه ممسوس في ذات الله. وهذه كلمة عظيمة؛ أي أنه لا يرى غير الله.
فالشجاعة نتعلمها من القاسم بن الحسن، والاستقامة من زينب الكبرى، ودرس الثقة بالذات نتعلمه من كل فرد كان في أرض كربلاء يوم عاشوراء، سواء الطفل الصغير أم المرأة الكبيرة.
هذه الدروس الاخلاقية هي التي نحتاجها، فإذا كان هناك من هو مشبع بدروس كربلاء وعاشوراء، فإن يده لا تمتد الى الرشوة، ولا يؤخر عمل الناس بالتبرير، ولا يقدم الأعاذير إذا قصر في عمل ما، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: الأعاذير أكثرها أكاذيب”.
ثالثا: كل أمة مصهرة، ومصهرتنا هي هذه الايام التي تعد من أيام الله؛ يوم بدر، وحنين، وخيبر، هذه الايام في تاريخنا صهرت الأمة وصنعت الامة الرصينة القوية، ومن تلك الأيام أيضا هو يوم عاشوراء.
نحن اليوم بحاجة الى الوحدة التي يجب ان ندرسها ونتعلمها كما كان الأولون، من المهاجرين والانصار، والذين اتبعوهم باحسان.
فالخطيب يجب أن ينبه الناس أن جميع المؤمنين، ابناء الحسين، وابناء عاشوراء، وهم الذين يقرأون في زيارة عاشوراء: إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم”. هذه الكلمات يجب أن تدعو المؤمنين أن يوحدوا انفسهم، لأن الوحدة تصنع المعجزات، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}، وأي حبل أوثق من ولاية أمير المؤمنين، عليه السلام، وولاية الإمام الحسين، عليه السلام.