تدبرات في سورة (القيامة) شهر رمضان المبارك / 1440 هـ – (الخامس)
“إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ”
بسم الله الرحمن الرحيم
[لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ] (19)
صدق الله العلي العظيم
تفصيل القول
القرآن الكريم نزل على قلب نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وآله، وهو ذات القرآن الذي بين الدفتين، وما نقرأه اليوم.
لكنّ القرآن الكريم ولدلائل عديدة لم يُقرء على الناس دفعة واحدة، ومن هنا جاء الامر الالهي بعدم الاستعجال في بيانه، أمّا الخوف من اندثاره فلا داعي له، لأنّ الذي انزل القرآن هو الضامن لجمعه وحفظه، كما يقول ربّنا تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ][1]
يقول ربّنا تعالى[لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ]
النهي الوارد في القرآن الكريم في خِطاب النبي صلّى الله عليه وآله لا يعني أبداً أنّ النبي كان يعمل به، ففي آيات عديدة ربّنا تعالى ينهي النبي صلّى الله عليه وآله من اطاعة الكفّار والمنافقين كما في قوله تعالى: [وَ لا تُطِعِ الْكافِرينَ وَ الْمُنافِقينَ وَ دَعْ أَذاهُم][2]
فهل تعني الآية أنّ النبي كان يطيعهم! حاشاه، من هنا نفهم عدم صحّة ما ذهب اليه البعض في تفسير الآية من أنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يُكرّر الآية لكي لا ينساها، والحال أنّ الرب تعالى يخاطب النبي في سورة الأعلى بقوله: [سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى][3]
كما أنّ الآيات القرآنية تأتي غالباً بصيغة، ايّاك اعني واسمعي يا جارة، ففي الظاهر الخطاب للنبي صلّى الله عليه وآله بينما في الحقيقة لكلّ الناس.
بالحكمة والموعظة الحسنة
إذا كان الخطاب القرآني لنا، فما هو الواجب علينا فيما يرتبط بعدم الاستعجال في بيان القرآن، يُبيّن لنا ربّنا ذلك بقوله: [ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ][4]
فليس كلّ مكان يناسب كلّ كلام، وحتّى الآيات القرآنية لابدّ من التفكير في الآية التي تناسب الظرف في سبيل هداية الآخرين، وهو معنى الحِكمة الذي امرنا به ربّنا.
ثمّ يقول ربّنا تعالى: [إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ]
لا يُمكن أنّ الرب تعالى يُرسل كتاباً، ليكون آخر رسالة الهية لكلّ البشرية والى يوم القيامة، ثمّ لا يجمعه!
النبي صلّى الله عليه وآله هو الذي جمع القرآن وبعد رحلته كان امير المؤمنين عليه السلام مشغولاً بجمع القرآن، ويبدو أنّ القرآن الذي جمعه عليه السلام كان فيه مضافاً للنص التأويلات التي يأتي بها امامنا الحجّة عجل الله فرجه الشريف حين ظهوره، ومعنى كلمة [قرآنه] يُقال بعد اتمام الشيء.
يصدّق بعضه بعضاً
ونستفيد من الآية أيضاً أنّ القرآن الكريم نص متكامل، بمعنى أنّه لابدّ من الايمان بجميع آياته ولا نصبح كالذين جعلو القرآن عضين و قالو نؤمن ببعض ونكفر ببعض.
وهكذا القرآن الكريم يُصدّق بعضه بعضاً، والتدبّر في آياته لابدّ من التأمّل في كلّ القرآن الكريم.
يقول ربّنا : [فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ] أي جميعه.
ليس هذا فحسب بل يقول ربّنا: [ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ]
فالذي انزل الكتاب، وارسل المُرسلين، حاضرٌ ورقيب، فمن يقرء القرآن الكريم، عليه أن يلتجئ الى الباري تعالى ليُنزل عليه نوراً لفهم حقائق القرآن.
______________________________
[1] سورة الحجر، الآية 9.
[2] سورة الأحزاب، الآية:48.
[3] سورة الأعلى، الآية: 6.
[4] سورة النحل، الآية: 125.