تدبرات في سورة (القيامة) شهر رمضان المبارك / 1440 هـ – (الرابع)
“قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ”
بسم الله الرحمن الرحيم
[لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ] (18)
صدق الله العلي العظيم
تفصيل القول
يستفاد من الآيات القرآنية أنّ عظمة شهر رمضان لعدّة أسباب، اولها لأنّه شهر انزل الله تعالى به القرآن كما يقول تعالى: [شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقان][1]
كما وأنّ عظمة الشهر لوجود ليلة القدر فيها، وأنّها خيراً من ألف شهر، أمّا السبب الثالث أنّه شهر الدعاء، وحديثنا في هذه الليالي عن القرآن الكريم.
تجلّي القرآن
والتساؤل الذي يُطرح قبل عن سبب مقارنة ليلة القدر و فيها نزول القرآن بمصيبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام وزيارة مؤكّدة للامام الحسين عليه السلام.
في الجواب على ذلك نقول: إنّ الله تعالى أتمّ حجته على الناس ومن أبعاد ذلك أنّه تعالى حينما أنزل القرآن جعل مصاديق، و هم اهل البيت عليهم السلام.
لذلك فإنّ الامام عليه السلام بمنزلة قرآن ناطق، وكما أنزل الله تعالى القرآن على قلب النبي صلّى الله عليه وآله في ليلة القدر تتنزّل الملائكة والروح في ليلة القدر على امامنا الحجة (عج) بالأمر الحكيم في ليلة القدر.
القرآن بصيرة
السؤال الآخر، المطروح عن العلاقة بين النفس اللوامة، وعن يوم القيامة وبين الحديث القرآن الكريم؟
الجواب على ذلك أنّ الله تعالى الذي اودع الانسان المعارف في فطرته، بيّن تفصيل تلك المعارف في القرآن الكريم، ومن هنا فالقرآن مُكمّل للعقل والفطرة، ومن يستطيع أن يقرء القرآن بحيث يبلور عقله، فإنّه يفهم القرآن الكريم.
مسؤوليتنا تجاه القرآن
خمس واجبات على عاتقنا تجاه القرآن الكريم.
اولاً: تلاوة القرآن الكريم وحفظه.
ثانياً: التدبر في آيات القرآن الكريم.
ثالثاً: جعل القرآن منطلقاً في فهم المعرفة.
رابعاً: أن نبني أنفسنا بالقرآن.
خامساً: أن ندعوا للقرآن.
وسنأتي الى بيان ذلك تباعاً.
تلاوة القرآن الكريم وحفظه.
وخصوصاً في الليل حيث يقول ربّنا تعالى: [قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَليلاً (2)نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَليلاً (3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيلاً] (4)
ويتسامى الانسان في مدراج الكمال بتلاوته القرآن، وهكذا فتلاوة القرآن وحفظه يقي الانسان في شرّ الفتن كما قال النبي صلّى الله عليه وآله: ((فَإِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ مَاحِلٌ مُصَدَّقٌ وَ مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَ مَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّار))[2]
افلا يتدّبرون
المسؤولية الثانية التي هي على عاتقنا تجاه القرآن الكريم هو التدبّر في آياته الشريفة كما اكّد على ذلك ربّنا في آيات عديدة من القرآن الكريم، كما في قوله عزّ وجل: [أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها][3]
يفهم القرآن من خوطب به
صحيح أنّ القرآن الكريم يفهمه الائمة الاطهار عليهم السلام لأنّهم خوطبوا به، الّا أنّ ذلك لا يعني عدم مشروعية التدبّر في المُحكمات، إذ لا شكّ أن الفهم الكامل عندهم عليهم السلام، و من هنا فطريق معرفة القرآن ايضاً لا يكون بمعزل عن الرويات الشريفة، يقول ربّنا تعالى:
[هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْويلِهِ][4]
فالمتشابه ما تشابه على صاحبه، والمحكم خلاف ذلك، بمعنى أنّه ربّما تكون الآية الواحدة من المحكمات عند أحد، ومتشابهة عند آخر.
اذن الادعاء أنّنا نفهم كلّ القرآن، و الآيات الشريفة جميعها مُحكمات اتجاه خاطئ، كما والادّعاء على أنّنا لا نفقه من الآيات الشريفة شيء أيضاً خطأ، إنّما التدبّر يكون في سياق المُحكمات التي نؤمن بها ونعمل بها، أمّا المتشابهات فنؤمن بها ولكن علينا الرجوع لمعرفتها الى الراسخون في العلم.
_________________________
[1] سورة البقرة، الآية 185
[2] الكافي (ط – الإسلامية)، ج2، ص: 599.
[3] سورة محمد، الآية 24.
[4] سورة آل عمران، الآية 7.