كثر الحديث عن دور العقل في تنظيم حياة الانسان، و دوره في الوصول الى الحقائق وفهم الاشياء، وفي مقدمتها؛ ما يتعلق بالدين والعقيدة، بل ويحتدم النقاش الدائر بين أنصار مدرسة الوحي، المؤمنون بالغيب وسيلة للوصول الى حقائق الدين وأحكام الشريعة، وأنصار العقل ممن يرون فهم كل شيء من خلال ما يدركه الانسان بحواسه، وكل ما هو خارج عن الحواس لا يمكن الايمان به والتسليم له.
وهذا لا يحدث اليوم، وإنما له جذوره في التاريخ، فقد بدأت في القرن الثالث الهجري، وتحديداً في عهد المأمون العباسي الذي رفع مذهب الاعتزال (المعتزلة أنصار العقل) الى مرتبة المذهب الرسمي للدولة العباسية، علماً أن رسول الله، صلى الله عليه وآله، منذ الايام الاولى بيّن للمسلمين وللتاريخ والاجيال أن نور العلم والمعرفة يكتشف بعينين: العقل والوحي، فكان يثقف على العقلانية وتحكيم معادلة “الاسباب”.
📌نجد سماحة الشهيد الشيخ نمر باقر النمر ينبري للتأكيد على الصلة الوثيقة بين الدين والعقل، كما فعل اسلافه من العلماء الأفذاذ، ففي سلسلة من محاضرات فكرية ابدع سماحته في تأصيل القضية من خلال ربطها بالمعصومين، عليهم السلام، والنظر في رؤيتهم وتقييمهم لها، فجاءت الافكار رائعة ومميزة.
فالنبي الأكرم، لم يفعل شيئاً في حياته العادية بين أهل مجتمعه آنذاك في مكة او المدينة ما يشير الى أنه انسان خارق للطبيعة، يسير على الماء، او يطير في الهواء، او يصنع من الحصى جواهر، وغيرها من الافعال، بل قالها أمام الجميع عندما سمع بأن نفراً من المسلمين اتخذوا من الرهبانية والتنسّك وسيلة للقرب الى الله –تعالى- فقال: “أنا أنام، وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء فمن اقتدى بي فهو منّي ومن رغب من سنتي فليس منّي”.
وهكذا كان أمير المؤمنين، والأئمة الاطهار، بل والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء، صلوات الله عليهم اجمعين، كانوا في قمة الروحانية والاتصال بالله، وفي نفس الوقت كانوا في قمة الصبر والتجلّد في الحياة المادية –إن صحّ التعبير- وإلا ما الذي كان يجبر الزهراء على طحن القمح بذلك الحجر الثقيل وهي امرأة شابة ابنة رسول رب العالمين، يهبط اليه جبرائيل في كل لحظة؟ فهل يرد الله له طلباً بسيطاً مثل هذا او اكبر منه، وهو بتلك المنزلة الرفيعة والاستثنائية دون الانبياء والمرسلين والخلائق أجميعن؟
من هنا نجد سماحة الشهيد الشيخ نمر باقر النمر ينبري للتأكيد على الصلة الوثيقة بين الدين والعقل، كما فعل اسلافه من العلماء الأفذاذ، ففي سلسلة من محاضرات فكرية ابدع سماحته في تأصيل القضية من خلال ربطها بالمعصومين، عليهم السلام، والنظر في رؤيتهم وتقييمهم لها، فجاءت الافكار رائعة ومميزة.
الكتاب الذي تبنت دار الهدى للثقافة والاعلام نشره وطباعته ويحمل عنوان المحاضرات نفسها: “العقل هو الدين”، يتصمن خمسة فصول، كل فصل يختص بأحد المعصومين وما يقول عن مسألة العقل والدين من زوايا تتعلق بحياة الانسان، وعلاقته بالله –تعالى-.
الفصل الأول: النبي الأكرم، وهوية الانسان العاقل، وقد تفرّع منه؛ “تصحيح المفاهيم أولاً”، و”من أين يأتي السلوك الحسن”؟ و”المعيار النيّة لا العمل”، ومواضيع اخرى.
أما الفصل الثاني؛ فقد اختصّ بأمير المؤمنين، و”معالم شخصية الانسان العاقل”، وفيه إلتفاتات رائعة عن “دور القرآن الكريم في إيقاد شعلة العقل”، و”هل للعبادة قيمة من دون العقل”، ومواضيع أخرى ضمن هذا الفصل.
والفصل الثالث: اختصّ بوصية أمير المؤمنين لابنه الامام الحسن، عليهما السلام، يبين فيه سماحة الشيخ المؤلف دور العقل في رسم خارطة طريق سليمة في حياة الانسان، فتحدث عن “دور العقل والعلم في صناعة الشخصية”، و”من هو المثقف الحقيقي”؟ و”ما هو معيار التفكّر الصحيح”؟ وموضوعات اخرى.
كما اختص الفصل الرابع بأمير المؤمنين ايضاً لما له من بحث مركز حول استثمار العقل “حتى لانقع في العبادة الساذجة”، ومن أجل “التوفيق والسعي الى حسن الاختيار”. وتحقيق “الصداقة الناجحة”.
أما الفصل الخامس والاخير فقد اختص بالامام الصادق، عليه السلام، الذي عمل عنوان “الامام الصادق ومعرفة النفس”. وهنا يبحث سماحة الشيخ المؤلف –رحمه الله- في علاقة العقل بالنفس الانسانية وما تنطوي عليها من أفعال مثل؛ الغفلة والوسوسة والمكابرة، وفي هذا الفصل الذي طرح فيه الشيخ الشهيد افكاراً مركزة جداً وناصعة في آن، تطرق الى مواضيع لها صلة بواقعنا الاجتماعي والثقافي وما نعاني منه، فقد تساءل: “كيف نتخلص من عوامل الخطأ”؟ كما تساءل: “كيف ننفي الجهل، والدنيا، والحرص بالمعرفة”؟ كما دعانا “للانتباه الى الخطأ في الوقت المناسب”.
وتحت عنوان: “بين مفتاح العلم ومفتاح الجهل” يقول سماحته: “من الامور التي يحتاج الانسان الى معرفتها؛ مفتاح جهله، ومفتاح علمه، فمفتاح الجهل الرضا، فالفرد يرضى بواقعه وبما هو فيه –وأكثر الناس كذلك- إلا ما ندر، فهو يسعى ليلاً ونهاراً من اجل كسب المال، ولا توجد عنده قناعة في هذا الاتجاه، لكن على قناعة بضحالة المعرفة التي يمتلكها”.
📌اختص الفصل الرابع بأمير المؤمنين ايضاً لما له من بحث مركز حول استثمار العقل “حتى لانقع في العبادة الساذجة”، ومن أجل “التوفيق والسعي الى حسن الاختيار”. وتحقيق “الصداقة الناجحة”.
في هذا الكتاب؛ عزيزي القارئ، اشارات وإضاءات سريعة لما يجب ان يكون عليه الانسان في تعقّله وتدينه بشكل متوازن يكسب فيه السعادة والتكامل في الحياة الدنيا، كما يضمن رضى الله –تعالى- وآخرته، وأن يقلل من الزلات والاخطاء والازمات التي نرى المجتمعات تتخبط بها دون وجود بصيص أمل للخلاص منها.
أخيراً؛ يبقى أن نشير أن يمكنكم الحصول على النسخة الالكترونية للكتاب من قناة “مكتبة مدرسة الإمام الهادي الرسالية”، على موقع التلغرام على الرابط الآتي: https://t.me/maktbhalhady.