واقعة الغدير تلك الواقعة التي حدثت بعد آخر حجّة حجها النبي الأكرم، صلى الله عليه واله، وذلك الحدث التاريخي المهم الذي أخرجه الرسول بأمر من الله ـ سبحانه {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، وأعلن من خلاله عن خلافة وولاية علي ابن أبي طالب، عليه السلام: “من كنت مولاه فعلي مولاه”. فأبان الحق واكتمل الدين وأتمت النعمة، يقول ـ تعالى ـ: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}.
فأصبحت تلك الواقعة تراثاً إسلامياً متجدداً ويوماً عظيماً، بل اُعدَّ من أفضل الأعياد، عن الإمام الصادق، عليه السلام، عن أبائه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينا”. (الشيخ الصدوق؛ كتاب الآمالي).
📌أصبحت تلك الواقعة ـ الغدير ـ تراثاً إسلامياً متجدداً ويوماً عظيماً، بل اُعدَّ من أفضل الأعياد
وعلى الرغم من وضوح الغاية والتصريح الواضح من الله ورسوله بخلافة علي بن أبي طالب، إلا إننا نجد من يحول بين هذا الحدث ومغزاه، فنجد من يؤول ويحرف ويزيف الحقائق وظهرت العديد من الأفكار والآراء التي وردت بحق هذا الحديث واليك اهم الآراء :
أولا: هناك من يقول علي، عليه السلام، هو الأفضل لكن غيره أصلح للخلافة، أو بتعبير آخر ان النبي أشار إلى علي بيوم الغدير لكن ترك الاختيار للامة، وهذا رأي عباس محمود العقاد الذي أيده الكاتب علي الوردي بقوله: “هذا أمر لا يخلو من القوة”. وهذا الرأي محل نقاش، لو افترضنا إن النبي، صلى الله عليه وآله، فعل ذلك يظهر لنا عيب واضح في المسلمين وهو بما إن النبي أولى بهم من أنفسهم فإشارته الى علي أفضل من اختيارهم من هو الأصلح لهم.
ويظهر لنا أيضا من هذا الرأي إن النبي، صلى الله عليه وآله، إذا قلنا انه اشار إلى علي فقط ولم يختاره، هذا معناه انه تمنى أن يقود الامة شخص مثل علي، والمسلمين من باب أولى إن يحققوا ما تمناه نبيهم الذي هو أولى بهم من أنفسهم، وأشار إلى هذا الرأي محمد كاظم القزويني في كتابة (علي من المهد إلى اللحد) حيث قال : “سبحان الله هذه كلمة تضحك الثكلى لان معناها إن الله ورسوله ما كانا يعرفان الأصلح أو كانا يعرفانه ولكنهم قدموا غير الأصلح”.
ثانيا: أيضا هذا رأي أخر يقول أن حديث الغدير حديث غير متواتر وما وجه الاحتجاج به مع عدم تواتره ؟ ونلزم أصحاب هذا الرأي بما أفاض من كتب الفريقين حول هذا الحديث مع اعتراف كبار أئمة القوم بتواتره كالذهبي، السيوطي، وابن كثير، وكما أجاب عليه جوابا مفصلا السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه المراجعات.
ثالثا: كما أن هناك من يبحث في دقائق الأمور وابهمها ويترك الواضح منها وعندما لا يجد ما يخرج به نجده يقول أن كلمة (مولى) في حديث الغدير لها معانٍ متعددة؛ هو انها تأول الحديث وليس فيها عهد بخلافة ولا دلالة على إمامه، وهذا خلاف الظاهر لان كلمة (مولى) تدل دلاله واضحة على إمامة علي ابن أبي طالب، عليه السلام، ويفهم ذلك من خلال سياق الكلام الذي قاله رسول الله في خطبة الغدير: “الست أولى منكم بأنفسكم” وأجابوا ثم أعقبه بقوله: “من كنت مولاه فعلي مولاه”، وهذا يعني جعل ولاية علي ابن أبي طالب، عليه السلام، بالناس محل ولايته، ولو لم يريد بها ذلك لما أعقبها بالدعاء: اللهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره اوخذل من خذله”.
وكلها كلمات تدل على القيادة كما نضيف إلى ذلك ما قاله الشعراء وكبار المؤلفين كالمفيد في كتابه (أقسام المولى)، وهنا نذكر ما أجاب عليه الشيخ محمد رضا المظفر على هذا الرأي تتميما للفائدة، وهذاالرأي بعيد كل البعد في حديث الغدير، لان أهل اللغة فسرت المولى والولي بالناصر والمحب فقد فسروها بمالك التصرف، وهل تفهم معاني الألفاظ المشتركة إلا بقرائنها؟
والقرينة الحالية واللفظية صريحة في هذا المعنى الأخير: وان النبي قام خطيبا على مائة إلف أو يزيدون بحر الهجير، وهل يصح عند العقل أن يقف هذا الموقف الخطير وهو يريد أن يفهم الناس أن عليا ناصر للمؤمنين أو محب لهم ؟ وأي حكمة في بيان هذا الأمر الواضح فنسترعي هذا الاهتمام من النبي الحكيم و أيضا – وبعد أن ينعا نفسه ويذكر الثقلين – يأخذ بيد علي ويرفعه إليه حتى يبين بياض إبطيهما، ويستنشد هم : “الست أولى منكم بأنفسكم”، فما هذه التوطئة ؟ أكانت كلاما مطروحا لا فائدة فيه آم أنها لتوضح ما سيفرغ عليها فقال: “فمن كنت مولاه فعلي مولاه”، لاشك أنها قرينه لفظية صريحة في بيان أن عليا مثله أولى من المؤمنين بأنفسهم – والمولى كما قلنا هو مالك التصرف أو الأولى بالشيء منه، كما نقول: السيد مولى العبد، أي مالك لتصرفه أو انه أولى بالتصرف في شؤونه منه.
ولا حاجة إلى دعوى أن المولى بمعنى كلمة (الأولى) فقط، حتى يعترض عليها معترض فيقول لا يصح أن يقال: مولى منه، كما نقول (أولى منه)، بل أن معنى كلمة (المولى) معنى مجموع هذه العبارة “الأولى بالشيء منه” الذي يساوق معنى مالك التصرف، ونفهم من هذا كله إن هذا الرأي غير صحيح وان كلمة مولى دلالة واضحة على إمامة أمير المؤمنين، عليه السلام .
رابعا: وهنا أيضا رأي أخر يقول أن علياً لم يكن في حجة الوداع وانه كان في اليمن، وهذا الرأي غير صحيح لان أكثر الروايات جاءت تؤكد أن النبي اخذ بيد علي، عليه السلام، حتى أبان بياض إبطيهما وأيضا أن حديث الغدير جاء في بعض الروايات: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه” واسم الاشاره (هذا) يدل على أن علياً قرب الإمام، وكذلك تهنئة الشيخين لعلي، عليه السلام، بقول عمر: بخ بخ لك لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة”، وهذا يعني ان علياً كان حاضراً بيوم الغدير، ونفهم من هذا، بأن هذا القول (الرأي) باطل، لثبوت ان عليا، عليه السلام، رجع من اليمن، وكان مع رسول الله، صلى الله عليه وآله، في حجة الوداع.
خامسا: أيضا رأي يقول: أن حديث الغدير يدل على إمامة علي، عليه السلام، لكن بعد خلافة عثمان، وهذا الرأي يفيد التسليم بصحة وتواتر حديث الغدير كما انه قابل للنقاش، لان الرسول لو أراد ذلك، إذاً لماذا قدم الخليفة الرابع؟ ولم يقدم الخلفاء الثلاثة وهم كانوا حاضرين في تلك الواقعة.
📌 على الرغم من وضوح الغاية والتصريح الواضح من الله ورسوله بخلافة علي بن أبي طالب، إلا إننا نجد من يحول بين هذا الحدث ومغزاه، فنجد من يؤول ويحرف ويزيف الحقائق
كما أن علياً أولى بالمسلمين من أنفسهم: “الست أولى منكم بأنفسكم قالوا بلى يا رسول الله”. ثم قال: “من كنت مولاه فعلي مولاه”، فكيف يكون الخلفاء الثلاثة هم أولى على من كان هو أولى بهم من أنفسهم، وهذا رأي غير صحيح، ويحتاج أدلة تفيد أحقية ما يذهبون إليه في الامامة والخلافة بعد رسول الله، لو كان هناك حديث معتبر على معتقدهم لما كان بيننا نزاع، و هذا الرأي مردود وغير قابل للصحة وفي كلتا الحالتين حديث الغدير يدل على خلافة وولاية وأفضلية علي ابن أبي طالب، عليه السلام.
سادسا: أصحاب هذا الرأي يقولون أن حديث الغدير يدل على إمامة علي، عليه السلام، لكن الإمامة تنقسم إلى قسمين: إمامة باطنية وهي أن علياً إمام في القضايا المعنوية أي في الأمور الباطنية والمشائخ الثلاثة هم أئمة المسلمين في الظاهر، ونستدل على عدم صحة هذا الرأي بنفس الأدلة السابقة وهي ليس هناك حديث يثبت ذلك، كما أن تاريخ الأمم لم يثبت أن الله أرسل نبيين اثنين، أو وصيين بنفس الدرجة وجعل احدهما للباطن والأخر للظاهر.
وبعد مناقشة الآراء المتعلقة بحيث الغدير نجد انه حديث صحيح ومتواتر، وكل ما تعلق به من أفكار وأراء خاطئة ما هي إلا تأويلات، الغاية منها إبعاد الحديث عن مغزاه ومن هذا نجد إن واقعة الغدير ما هي إلا وسام خالد أهداه الله ـ سبحانه ـ إلى علي ابن أبي طالب، عليه السلام، على يد الرسول الأكرم محمد، صلى الله عليه واله، مبين من خلاله جدارة وخلافة هذا الرجل من خلال هذا العرض الإعلامي التاريخي المباشر الذي لا يتأثر بأي تشويش أو تزيف وتحريف.
- المصادر
- المظفر، محمد رضا ، السقيفة، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، ط3، قم – ايران، 1379.
- القزويني، محمد كاظم، الإمام علي من المهد إلى اللحد، دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع،ط9، النجف الاشرف- العراق، 2009.
- الوردي، علي، وعاظ السلاطين، دار ومكية دجلة والفرات، بيروت-لبنان، ،2009م .
- شرف الدين ،السيد عبد الحسين ، المراجعات، دار التعارف للمطبوعات، ط3، لبنان – بيروت،2003.
- الخرساني، المروج، نظرة إلى الغدير مؤسسة النشر الإسلامي للطباعة والنشر،ط1، 1995.
- المفيد، أقسام المولى، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، بيروت-لبنان 1993.
- الميلاني، السيد علي، الناشر: مركز الأبحاث العقائدية ط1،قم ـ إيران، 2000.