المرجع و الامة

المرجع المدرسي: حينما يذكر الانسان ربّه ويتوّكل عليه فإنّه يتجاوز كلّ التحدّيات والصِعاب

تدبرات في سورة (الانسان) شهر رمضان المبارك / 1440 هـ – (اليوم الثاني عشر)

“وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ”

بسم الله الرحمن الرحيم
[فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصيلاً] (25)
صدق الله العلي العظيم

تفصيل القول
مهما ارتفع البشر في درجات الايمان، الّا أنّه يبقى بحاجة ماسّة الى توفيق الباري تعالى له في امتحانات الحياة، فهو بحاجة الى التوكّل على الله سبحانه وتعالى، حتّى أنبياء الله العِظام تجدهم يستمدّون القوّة منه تعالى في كل آن، واللحظة التي يعتمد فيه البشر على نفسه هي لحظة سقوطه وخسارته.
ومن هنا تجد أنّ القرآن الكريم ما إن يتحدّث عن الصبر والاستقامة، حتّى يتحدّث عن الذكر والتوكّل كما جاء في قوله تعالى: [فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ] الى قوله:[وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصيلاً] ففي كلّ واقعة لربّنا تعالى حُكم، فلم يُخصّص ربّنا تعالى الحُكم لمكان دون آخر أو لواقعة دون أخرى بل إنّ أحكام الله شاملة ومن أجل تطبيق هذا الحُكم لابدّ من الصبر والاستقامة: [وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً] والخطاب وإن كان ظاهره للنبي صلّى الله عليه وآله، ولكنّه في الواقع لكلّ المسلمين، وطريق الاستقامة اذن هو الذكر.

بين الاستقامة والذكر
حينما يذكر الانسان ربّه ويتوّكل عليه فإنّه يتجاوز كلّ التحدّيات والصِعاب، فهو ينتصر حتّى وإن كانت المعادلات المادّية تقول خلاف ذلك، وخير دليلٍ على ذلك التاريخ الاسلامي، ففي معركة بدر مثلاً لم يكن المسلمين اكثر عدّة و تجهيزاً من الاعداء ولكنّهم بالتوكّل على الله انتصروا في فترة وجيزة وهكذا كلّ الحروب التي انتصروا فيها لم يكونوا اقوى من الناحية المادّية.
ربّنا سبحانه يقول: [فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ][1] الى أن يقول: [وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ‏ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرينَ][2] هذه الآيات تُلخّص سورة هود التي جاءت لبيان امثلة من استقامة الانبياء عليهم السلام، ففي الآية أمر بالاستقامة، و تحذير من الطغيان الناشئ من الانتصار، كما يقول ربّنا في سورة النصر [فَسَبِّحْ‏ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً][3] حيث إنّ آفة الطغيان بعد نزول النعمة من اكبر مشاكل البشر، بعد ذلك يؤكّد ربّنا تعالى مرّة أخرى أنّ طريق الوصول الى الاستقامة هو الذكر المُتمثّل بالصلاة حيث يقول ربّنا تعالى: [وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ‏ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ] وهذه الصلوات تذهب بالسيئات، وسوف تعيد إليك إيمانك المفقود و تذهب بالآثار السلبية الباقية في‏ قلبك‏.
وفي سورة الاسراء بيان وتأكيد لتلك الحقيقة أيضاً في قوله سبحانه وتعالى: [وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ‏ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَليلاً][4] الى قوله سبحانه وتعالى: [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ‏ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً][5] الإنسان الذي يحمل الرسالة لا بد ان يضع في اعتباره انه سوف يتعرض للضغوط الاجتماعية، و المادية، و من ضمن هذه الضغوط (الإخراج و التهجير و المقاطعة الاجتماعية و الإيذاء)، لعل الآية تشير الى سنة إلهية، قضاها الرب لعباده: ان رسل اللّه، و الذين هم يسيرون على نهجهم، أوتاد الأرض، فمن دونهم تسيخ بأهلها، بهم يحفظ اللّه العصاة ان يدمرهم شر تدمير، فاذا طغى الناس و اخرجوا هؤلاء من بلادهم فان العذاب يصبّ عليهم صبا.
ثم يأتي الأمر بالصلاة لدلوك الشمس اي زوالها، وهي أهمّ الصلوات، [إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ]‏ غسق- دلجة- ظلمة- بمعنى واحد و هو شدة الظلام، و شموله، و لعله يتم عند منتصف الليل.
[وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً] قرآن الفجر هو صلاة الصبح، و صلاة الصبح مشهودة من قبل ملائكة الليل و ملائكة النهار، وهكذا في الآيات بيانٌ لأوقات الصلاة.
ومن يستعين بالصلاة والذكر فإنّ ربّنا تعالى يؤيده ويُبّت اقدامه، يقول ربّنا تعالى: [إِنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ‏ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي‏ كُنْتُمْ تُوعَدُونَ][6] ممّا يدلّ على استمرارية التأييد من الرب سبحانه وتعالى لعبده المؤمن.
في هذه الآية من سورة الانسان ربّنا يقول: [وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصيلاً] أغلب البشر يجهلون عظمة الصلاة الذكر ولو أنّهم لم يكونوا كذلك كانوا يعشقون الصلاة ولأصبحوا مصداقاً للحديث الشريف القائل: [لَوْ عَلِمَ‏ الْمُصَلِّي‏ مَا يَغْشَاهُ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ.][7] الصلاة صِلة مع الله الذي يخضع له من في السماوات والأرض، والانسان المؤمن يستمدّ عزيمته منها.
__________________________________
[1] سورة هود، الآية : 112.
[2] سورة هود، الآية : 114.
[3] سورة النصر، الآية: 3.
[4] سورة الاسراء، الآية: 76.
[5] سورة الاسراء، الآية: 78.
[6] سورة فصّلت، الآية:30.
[7] عيون الحكم و المواعظ (لليثي)، ص: 417

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا