رغم مساعي الأمويين والعباسيين في تغييب أثر أمير المؤمنين من الحياة العامة للأمة في تلك الفترات، بيد أنه، عليه السلام، الذي يمثل نور الله في الأرض لن يُطفأ، فقد بلغ مداه كل مكان وزمان.
ففي مخطوطة اندلسية يعود تاريخها الى 684للهجرة، كتب المؤرخ؛ أبي البقاء الاندلسي في كتابه؛ روضة الأنس ونزهة النفس، عن أمير المؤمنين، عليه السلام، وعن نسبه، وشخصيته، وحتى عن أعدائه.
جاء في مخطوطة بعنوان: عن علي وخلافته لمعٌ، ما يلي:
“على بن أبى طالب بن عبد المطلب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وبويع له يوم قتل عثمان، وقعد عن بيعته جماعة منهم؛ عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، و زيد بن ثابت، والنعمان بن بشير، و ابو سعيد الخدري، وحسان وكعب بن ثابت، وبايعه طلحة والزبير، ثم خرجا واستاذنا في المسير إلى مكة للعمرة، فقال لهما، عليه السلام، لعلكما تريدان البصرة او الشام فاقسما لايقصدان إلا مكة للعمرة، وكانت وقعة الجمل ثم حرب صفين ثم حرب الخوارج وهكذا”.
⭐ كان فينا كأحدنا، يجيبنا اذا سألناه، وينبؤنا اذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لانكاد نكلمه هيبة له، يعظم اهل الدين، ويقرب المساكين لايطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله
وذكر المؤرخ: “كان علي، رضوان الله عليه، أجمع ربعة إلى القصر، أصلع، وكان في العلم والشجاعة والزهد بالموضع الذي لم يتقدمه فيه احد، ونالت الدنيا منه ولم ينل منها، وقتل، رضي الله عنه، بمسجد الكوفة ليلة الجمعة الحادية والعشرين من رمضان سنة أربعين، وقتل بقصر الامارة وعُفي قبره، وقيل غير ذلك، فكان عمره ثلاث وستين سنة، ومدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، وكان من خبر مقتله، رحمه الله، أن جماعة من الخوارج اجتمعوا بمكة وقالوا: لو قُتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص لصلح أمر الأمة، و زالت الفتنة! فتعاهد على قتلهم ثلاثة منهم: عبد الرحمن بن ملجم يقتل علياً، وحجاج بن عبد الله الصريمي خرج لقتل معاوية، والخنجرخرج لقتل عمرو، وتواعدوا ان يكتبون ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، فما زالت فإنه لما أتى ليقتل عمرو بن العاص في تلك الليلة اشتكي عمر بطنه فاخرج إلى الصلاة خارجة بن زيد، فلما علم انه لم يكن عمرو قال: اردى عمرَو و إن أراد الله خارجة، وأما الحجاج فإنه أتى معاوية وهو يصلي فطعنه في إليته، فقال ويلك من انت وما خبرك؟! فقال له أما تواعدنا ثلاثة في هذه الليلة على قتلك وعلي وعمرو، فإن كانا قتلا وإلا خليت سبيلي حتى اقتل عليا وأعود إليك محبسه، فلما صحّ قتل علي أطلقه معاوية، وأما ابن ملجم فإنه قدم الكوفة وأتى ابنة عم له يُقال لها قطام، وكانت جميلة وكان علي قد قتل أباها واخاها في النهروان فأخذت قلبه وخطبها فقالت له لا اتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف وعبدا وقينة، وتقتل علياً، فقال لها والله ماجاء بي إلى هذا المصر غير ذلك. ثم خرج وهو يقول:
ثلاثةُ آلاف وعبدٍ وقينة
وضرب علي بالحُسام المٌسمّمِ
ولا مهر أغلى من علي و إن غلا
ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
واجتمع اليه من الخوارج فقعدوا قبالة باب المسرة التي كان علي، رضي الله عنه، يخرج منه فخرج إلى صلاة الصبح ضمروا اليه فضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف فصاح به علي، رحمه الله، ففر الناس حتى قبضوا عليه، ولما قُبض على اللعين قال علي، رحمه الله، ألينوا له فراشه و اطيبوا مقامه، فإن انا عشت فعفو وقصاص، وان متّ فالحقوه بي اخاصمه عند ربي، فإن تعفوا أقرب للتقوي، فمات، رحمه الله، بعد يومين وعفى قبره وكانت الليلة التي ضرب في صبيحتها كان لاينام، وسمع وهو يقول” ما كَذَبتُ ولا كُذّبت، و انها الليلة التي واعدني بها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لعلي، رضي الله عنه، في الولد احد عشرة وكانت له فضايل كثيرة لم يتقدمه فيها أحد، أخرجنا منها القرابة والسابغة والعلم والشجاعة الزهد الي ما خصّ به من فضائل ليست لغيره، هذا وانه رُبي في حجر النبوة، و آخاه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وتربى وكرم وهو بعد زوج خير النساء، وابو افضل الناس نسباً.
📌 فضائل الإمام علي، عليه السلام
دخل ضرار الصدائي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية ياضرار! صف لي علياً، فقال له: اعفني، قال: لتصفنّه، قال: أما إذ لابد من وصفه؛ فكان والله بعيد المدى شديد القوى؛ يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من ناحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستانس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ماقصر، ومن الطعام ماخشن، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا اذا سألناه، وينبؤنا اذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لانكاد نكلمه هيبة له، يعظم اهل الدين، ويقرب المساكين لايطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، واشهد رايته في بعض مواقفه وقد ارخي الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، الي تعرضّت أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، آه آه، من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق”.