📌 مقدمة
نعم؛ هذا هو شهر الله الكريم، شهر رمضان المبارك وقف على أبوابنا ويصرخ بنا صارخه من نهاية شهر رسول الله شعبان الخيرات والبركات؛ هل أنتم جاهزون لاستقبال هذا الشهر الكريم الذي أقبل إليكم بما وصفه به رسول الله، صلى الله عليه وآله، في آخر خطبة له: “أيّها النّاس أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة، والرّحمة، والمغفرة“، فما أعظمه من مقبل، وأجلَّه من قادم بهذه الثلاثية التي لا نظير لها في هذه الحياة (البركة، والرحمة، والمغفرة).
📌 الجوانب التربوية للصيام
ما أحوجنا لا سيما في هذا العصر للجوانب التربوية والأخلاقية في هذا الشهر المبارك، حيث أننا نعيش نوعاً من الجفاف الروحي، والتصحر الأخلاقي، والقيمي في زمن الحضارة الرقمية، لما صدَّعت رؤوسنا به من تفاهات السياسة، وأنواع الخساسة، التي أظهرت أن الحياة لا قيمة لها، ولا فضيلة إلا بالمال والجاه ودستورها الغالب سياسة معاوية بن هند الهنود (الغاية تبرر الوسيلة)، تلك التي تنسب إلى ميكيافيلي وهو ربما أخذها من معاوية صاحب الشعرة السياسية المشهورة.
فالحياة صارت جافة، وبائسة لأنها شبه خلت من الفضيلة، والقيمة، لأن القيمة صارت للأشياء المادية فقط، حتى غدا الإنسان في هذه الحضارة بلا قيمة، ولا قدر، لا سيما كبار السن، وهذا ما كشفته هذه الأزمة العالمية لفايروس كورونا منذ بدايته، ونحن تأثرنا كثيراً بكل هذه الحرب الفكرية والروحية علينا، حتى راحت الأجبال الشابة تخرج من دينها، وعقيدتها، وارتمت في أحضان الإلحاد فرماها في مستنقعات الرذيلة للأسف الشديد.
⚡ إن هذا الشهر الكريم هو شهر الفضيلة والأخلاق، فكله من أوله إلى آخره مفعماً بالأخلاق تجاه الرب ـ سبحانه ـ بالعبادة والتقوى، وتجها خلق الله بالنَّصيحة والتراحم، وتجاه النفس بالتزكية والعمل الصالح
ولكن هذه الرحمة الكبرى لرب العالمين في هذا الموسم النوراني والشهر العبادي حيث يُعيدنا إلى أنفسنا، وديننا، وعقيدتنا، وذلك كله يعيد لنا أخلاقنا الراقية، وفضائلنا التي حاول أن يسلبها منا الأعداء لأنها تعزز القيمة والفضيلة في المجتمع الإسلامي، وشهر رمضان المبارك هو من أهم وأعظم تلك الأوقات التي تعيد لنا حيويتنا وللأمة نضارتها وصحوتها لعمل الخيرات والبركات فتعود لنا اللحمة، والتعاون على البر والتقوى.
ولذا جاء في قوله، صلى الله عليه وآله، في هذا الجانب: “وتصدّقوا على فقرائكم، ومساكينكم، ووقرّوا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم“.
أليس هذا الذي فقدناه في عصر الحضارة الرقمية، حيث أرادوا أن يقتلوا الفقراء، وكبار السن في الكورونا، ولذا تأتي هذه الرحمة الرمضانية لتقول للعالم: الفقراء كنز المجتمع، وكبار السن بركته، فاحفظوا الفقراء ووقروا الكبار واحترموهم ولولاهم لربما صُبَّ عليكم العذاب صباً كما في الحديث الشريف: “لولا أطفال رضَّع، وشيوخ رُكَّع، وبهائم رُتَّع لصب عليكم العذاب صباً“، ولكن أصحاب الحضارة الرقمية لا يعرفون معنى للقيمة والرحمة، ويقيسون كل شيء بما يدرُّ عليهم من أموال وأرباح.
📌 من أخلاقيات هذا الشهر
في الحقيقة إن هذا الشهر الكريم هو شهر الفضيلة والأخلاق، فكله من أوله إلى آخره مفعماً بالأخلاق تجاه الرب ـ سبحانه ـ بالعبادة والتقوى، وتجها خلق الله بالنَّصيحة والتراحم، وتجاه النفس بالتزكية والعمل الصالح، وتلك هي الأسس الثلاثة التي يقوم عليها المجتمع الإيماني الحضاري في قيمه وأخلاقياته الراقية جداً.
ولذا قال رسول الله، صلى الله عليه وآله، منبهاً إلى بعض تلك الأخلاقيات الإجتماعية في هذا الشهر المبارك لينتبه إليها المؤمنون ويتعاطون فيها في تعزيز تواجدهم وفعالياتهم في أعمال هذا الشهر، حيث قال، صلى الله عليه وآله: “يا أيّها النّاس من حسّن منكم في هذا الشّهر خُلقه كان له جواز على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام”، فما أحوجنا في ذلك اليوم العصيب وحيث المزلق إلى نار جهنم أن يكون لنا جوازاً على الصراط في يوم الحساب، والجواز سهل يسير في هذا الشهر فلا تحتاج إلى زيادة مؤونة مادية أو معنوية، ولكن تحتاج منك إلى مزيد من الحذر والانتباه إلى سلوكك وأخلاقك وكلامك مع مَنْ هم حولك من أهلك وأقربائك وزملائك في العمل فتكون على غير عادتك بطيب الأخلاق، وحسن المعاشرة والمعاملة.
والثانية أن رسول الله، صلى الله عليه وآله، يقول: “ومن خفّف في هذا الشّهر عمّا ملكت يمنيه خفّف الله عليه حسابه”، فالإنسان في هذا الزمن ليس عنده عبيد وإماء وملك يمين فليس عنده إلا أهله وعياله وهؤلاء أحق الناس ببره، وخيره، ولا يكون أشقى الناس بك أهلك وذوي قراباتك كما في الرواية المعروفة، بل يجب أن يكونوا أسعد الناس بك، ورسول الله، صلى الله عليه وآله، كان يقول: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، فدع أهلك يحبوك ويسكنون إليك محبة ورحمة.
والملاحظ في كثير من بلادنا الإسلامية أنهذا الشهر الكريم يضغط على الناس في تغيير عاداتهم التي ألفوها لا سيما مَنْ اعتاد على قهوة الصباح، أو دخان السجائر فما أن يطلبها أجسامهم حتى تكون أنفسهم على رؤوس آنافهم كما يُقال فتراه يريد أن يقاتل الجميع بلا سبب، ولذا قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “ومَنْ كفّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه”، فالمشكلة ليس في الناس من حولك بل المشكلة فيك أنت، فاضبط نفسك وحارب هواك وسيأجرك الله سبحانه على ذلك بصرف غضبه وسخطه عنك بذلك.
وأكثر طبقة مظلومة في المجتمع هي أولئك اليتامى الذين فقدوا آباءهم لا سيما في هذه الحرب الكونية على بلداننا الإسلامية فلدينا ملايين اليتامى والإسلام برحمته وعطفه ولطفه أكثر ما أوصانا بهؤلاء اليتامى لا سيما أبناء وبنات الشهداء الذين حموا وحفظوا هذا البلد من الأعداء وسقوا شجرته بدمائهم الزكية، ولذا يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله: “ومَنْ أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه”، وإكرام اليتيم بأن تعوِّضه عن فقده أعظم شيء في هذه الحياة ألا وهو أباه الذي كان خيمة، وظلاً لأولاده وعياله، فلا أقل نواسيهم في هذا الشهر المبارك بما نستطيع بإدخال البسمة على شفاههم والفرحة إلى قلوبهم ولو بالمقدار الممكن.
⚡ هذه الرحمة الكبرى لرب العالمين في هذا الموسم النوراني والشهر العبادي حيث يُعيدنا إلى أنفسنا، وديننا، وعقيدتنا، وذلك كله يعيد لنا أخلاقنا الراقية
والرحم هي معلقة بالعرش، ومن أعظم أسماء الله الحسنى أنه الرحمن الرحيم، فصلة الرحم هي من أقرب القُربات، وأعظم الطاعات التي يمكن أن نعملها في هذا الشهر العظيم، لأنه شهر الرحمة فجدير بنا أن نتراحم فيما بيننا، ونصل ما أمر الله بوصله من الرحم مهما كانت قاسية وجافة ولكن نحاول أن نصلها ولو باتصال، أو رسالة محبة ومباركة في هذا الشهر قال، صلى الله عليه وآله: “ومَنْ وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه“، وذلك إلتماساً للأجر واستنزالاً للرحمة الرحانية والرحيمية من الباري تعالى فمَنْ لا يرحم لا يُرحم، والرُّحماء يرحمهم أرحم الراحمين.
📌 شهر الفضيلة
في الواقع الذي عشناه ونعرفه جيداً في مجتمعاتنا الإيمانية قبل أن تغزونا الحضارة الرقمية كان لشهر رمضان بركة وحضوراً قيمياً راقياً جداً فكنا نشعر أن القرية، أو الحارة كأنها أسرة واحدة من التزاور، والعزائم، والتهادي لأنواع الطعام، وما تجود به الأمهات وأصحاب الخير في البيوت ـ والجميع كانوا من أهل الخير حتى الفقراء ـ فما أشوقنا، إلى تلك الأجواء الرمضانية الرحمانية فعلاً.
فشهر رمضان هو شهر الروح والريحان، والمغفرة، والرحمة، والرضوان وكل هذه القيم التي يطفح بها الإسلام وأهل الإيمان التي كادت أن تضيع ونفقدها في زحمة هذه الدنيا، وهذه الحرب الثقافية والقيمية والروحية التي شنَّها علينا الأعداء من بداية هذا القرن الظالم، ولكن بوادر الفرج لاحت بإذن الله تعالى، وشهر رمضان فرصة كبيرة لنا لنُعيد التوازن إلى أنفسنا واللحمة إلى مجتمعاتنا لتعود لنا قوتنا وعزتنا وكرامتنا ونعلن النصر على الأعداء ببركة وفضيلة هذا الشهر الكريم.