تدبرات في سورة (الانسان) شهر رمضان المبارك / 1440 هـ – (اليوم الثامن)
“جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا”
بسم الله الرحمن الرحيم
[وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَريراً (12) مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً وَ لا زَمْهَريراً] (13)
صدق الله العلي العظيم
تفصيل القول
السور الثلاث الأخيرة من الجزء التاسع والعشرون، تتكامل فيما بينها، فبينما تتحدّث سورة القيامة عن احداث ذلك اليوم العظيم، نجد أنّ سورة الدهر تتحدّث عن الجنّة ونعيمها غالباً، وسورة المرسلات تتحدّث غالباً عن العذاب.
وفي اطار الحديث عن النِعم في الجنة يُحدّثنا ربّنا تعالى عن جزاء المؤمنين، ورحمته تعالى التي هي أساس النعم في الجنّة، وكما أنّ رحمة الرب المُتعال غير متناهية كذلك نعمه في الجنّة لا تنتهي، حيث يزداد المؤمن نعماً من ربّه باستمرار، ويبقى خالداً في النعيم، ولكن لا بمعنى استقلاله في الوجود، فهو يبقى مخلوقاً مُحتاجاً الى الخالق تعالى الغني بالذات.
شوّقني يابن رسول الله
يأتي ابو بصير الى الامام الصادق عليه السلام فيقول له جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ شَوِّقْنِي..
كما مرّ أنّ الشوق يرتبط بالصبر الذي هو من دعائم الايمان، و طلب ابو بصير وهو في تلك المرتبة الجليلة يطلب من الامام أن يشوّقه يدلّ على أنّ من مسؤولية الانسان المؤمن إذا وجد في نفسه ضعف أمام التحدّيات والضغوطات، أو خارت عزيمته بسببٍ أو بآخر أن يعالج سبب ذلك بالشوق أو الشفق أو باستذكار النعم الالهية عليه أو ما أشبه.
قال الامام عليه السلام لأبي بصير:
((يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ الْجَنَّةَ تُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ.
وَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا لَوْ نَزَلَ بِهِ الثَّقَلَانِ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ لَوَسِعَهُمْ طَعَاماً وَ شَرَاباً وَ لَا يَنْقُصُ مِمَّا عِنْدَهُ شَيْءٌ وَ إِنَّ أَيْسَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُرْفَعُ لَهُ ثَلَاثُ حَدَائِقَ فَإِذَا دَخَلَ أَدْنَاهُنَّ رَأَى فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ وَ الْخَدَمِ وَ الْأَنْهَارِ وَ الثِّمَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا شَكَرَ اللَّهَ وَ حَمِدَهُ قِيلَ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى الْحَدِيقَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهَا مَا لَيْسَ فِي الْأُولَى فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَعْطِنِي هَذِهِ فَيَقُولُ لَعَلِّي.. إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ رَبِّ هَذِهِ هَذِهِ فَإِذَا هُوَ دَخَلَهَا وَ عَظُمَتْ مَسَرَّتُهُ شَكَرَ اللَّهَ وَ حَمِدَهُ.
قَالَ: فَيُقَالُ افْتَحُوا لَهُ بَابَ الْجَنَّةِ وَ يُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَإِذَا قَدْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخُلْدِ وَ يَرَى أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيمَا قَبْلُ فَيَقُولُ عِنْدَ تَضَاعُفِ مَسَرَّاتِهِ رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي لَا يُحْصَى إِذْ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِالْجِنَانِ وَ أَنْجَيْتَنِي مِنَ النِّيرَانِ فَيَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَ أَنْجِنِي مِنَ النَّارِ.
قَالَ أَبُو بَصِيرٍ فَبَكَيْتُ، وَ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي..
قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَراً فِي حَافَتَيْهَا جَوَارٍ نَابِتَاتٌ إِذَا مَرَّ الْمُؤْمِنُ بِجَارِيَةٍ أَعْجَبَتْهُ قَلَعَهَا وَ أَنْبَتَ اللَّهُ مَكَانَهَا أُخْرَى..[1]
يقول ربّنا تعالى: [وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا] الصبر من الايمان بمثابة الرأس من الجسد، وهو يعني الغاء حاجز الزمان بين الفعل والجزاء، وبالتالي يعيش الانسان الصابر الجنّة ونعيمها ويكون ذلك داعياً لفعل الطاعة واجتناب المعصية ويكون جزاؤهم [جَنَّةً وَ حَريراً] و لعلّ في الآية إشارة إلى أنّ إخلاص الإنسان في عمله، و خروجه من حبّ الذات (حبّ التظاهر و الإطراء) عند الإنفاق بالذات، بحاجة إلى إرادة عالية و صبر عظيم يقاوم بهما تحدّيات النفس و الشيطان.
[مُتَّكِئينَ فيها عَلَى الْأَرائِكِ]
جمع أريكة، و هي الأسرّة المحشوّة على أفضل وجه، ويتكئ الانسان بعد أن يفرغ من عمله، وهكذا أهل الجنّة ينعمون بما عملو في الدنيا.
[لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً وَ لا زَمْهَريراً]
و الشمس كناية عن الحرّ، أمّا الزمهرير فهو البرد الشديد.
_____________________
[1] بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج8، ص: 121