الكثير منّا يقرأ الأدعية والمناجاة الواردة عن الأئمة الاطهار، بل ونواظب عليها، مثل؛ دعاء الصباح، ودعاء الفرج، ودعاء الامام الحسين، عليه السلام، يوم عرفة، ودعاء الندبة، ودعاء كميل، رغبة منّا في التقرّب الى الله بهذه الوسيلة المباركة، ورغم التفاعل والدموع والخشوع في مراسيم قراءة هذه الأدعية في البيوت والمساجد والحسينيات، وايضاً في المراقد المشرفة، بيد أن الكثير منّا نمر على كلمات وجُمل نراها بسيطة وواضحة ببساطة فهمنا واستيعابنا، ولكنها عميقة في دلالاتها، ومعانيها، لذا كانت الحاجة الى الشرح والتوضيح الذي شحّت “المكتبة الروحانية”، إن جاز التعبير، من مؤلفات تسبر غمرات هذه الأدعية والمناجاة وتستخرج منها دُرر المعاني وتساعد القارئ على الفهم الأكمل والأشمل ليكون تفاعله أوسع، ومواظبته على القراءة أشد.
ومن هذا التراث الروحاني العظيم؛ المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين، عليه السلام، التي تعد بحق من عيون الأذكار الشريفة التي وصفها سماحة السيد مرتضى المدرسي –نجل المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي- بـ”الرائعة العلوية”، في كتابه؛ سبيل العارفين في شرح مناجاة أمير المؤمنين، عليه السلام.
📌 يكشف المؤلف عن الحاجة العظيمة للانسان للدعاء في حياته ليضمن سلامته ونجاحه في أعماله، وتعطيه زخماً قوياً من الأمل بالخلاص من الذنوب والمعاصي والأخطاء
السيد المؤلف كان دقيقاً في تعامله مع هذا السِفر العظيم، فهو “بالرغم من محاولتي المزيد من التأمل في كلمات سيد البلغاء وأمير الفصحاء في هذه المناجاة، لابد لي من الاقرار بالعجز عن فهم الكثير من الفقرات فيها، وإنما أقوم بشرح ألفاظها، إذ لايمكن فهم حقائقها إلا بالوصول الى عبر بناء النفس وزيادة اليقين فيها، وهذا ما لا يتيسّر إلا للقليل من عباد الله، اسأل الله أن اكون منهم”، كما جاء في مقدمة الكتاب.
نظم سماحة السيد المدرسي كتابه وتأملاته في ثلاثة وثلاثين مقطعاً، وقبلها ارتأى الافتتاح بـ”مقدمات في فضل شهر شعبان، وشيء من أدب الدعاء”، ومنها؛ علاقة هذا الشهر العظيم برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، والرواية عن الامام الصادق، عليه السلام: “إن رسول الله كان اذا رأى هلال شهر شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: يا أهل يثرب إني رسول الله إليكم، ألا إن شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري”، ثم يضيف الامام الصادق: “إن أمير المؤمنين كان يقول: ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم”.
📌 ويبين سماحته ظلال هذه الكلمة (المناجاة) في “انها تتسم بالسريّة بأن أحد الطرفين أو كلاهما لا يرغبان بإفشاء الشيء عند غيرهم
كما تضمنت المقدمات رواية أمير المؤمنين، عن رسول الله في عظمة شهر شعبان، ومقاطعته، عليه السلام، “أخلاط من المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري في بعض المساجد يخوضون في أمر القدر وغيره، فارتفعت اصواتهم واشتدّ فيه جدالهم، فوقف عليهم وسلّم فردوا عليه وأوسعوا له وقاموا اليه يسألونه القعود اليهم فلم يحفل بهم ثم قال لهم: يا معشر المتكلمين فيما لا يُعنيهم ولا يَرِدُ عليهم، ألم تعلموا أن لله عباداً قد أسكتهم خشيته من غير عِيٍّ ولا بَكَمٍ وإنهم لهم الفصحاء العقلاء البالغون العالمون بالله وأيامه”؟! والرواية طويلة لمن أراد مراجعتها في هذا الكتاب.
ثم يردف سماحة المؤلف بالاشارة الى أعمال شهر شعبان من صلوات مستحبة وأذكار واستغفار وصدقات.
🔶 لماذا المناجاة؟
سؤالٌ جديرٌ يطرحه سماحة السيد مرتضى المدرسي لتكريس المعرفة الربانية، ثم يسأل عن الفارق بين المناجاة والدعاء، ويستند الى المصادر لمعرفة المعنى لغوياً “يقول العرب: ونَجاهُ نجواً، ونجوى: أي سارّه، والنَجو هو السرّ بين اثنين”، وسأل سائلٌ رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}.
ويبين سماحته ظلال هذه الكلمة (المناجاة) في “انها تتسم بالسريّة بأن أحد الطرفين أو كلاهما لا يرغبان بإفشاء الشيء عند غيرهم، وحينما تكون المناجاة بين مرتبتين مختلفتين فهي تحتمل كون الأدنى يرغب بستر الأعلى عنه في قوله، كما أنها تكون مع قريب، فالبعيد لا يمكن ان نناجيه بل يجب ان نناديه”.
ثم يردف سماحته بسؤال آخر: لماذا ندعو؟
ويكشف عن الحاجة العظيمة للانسان للدعاء في حياته ليضمن سلامته ونجاحه في أعماله، وتعطيه زخماً قوياً من الأمل بالخلاص من الذنوب والمعاصي والأخطاء، ويشبه سماحته الانسان وعلاقته بالدعاء كمن يمشي على شفير جبل شاهق، يكون الخطر محدق به لو غفل عن نفسه لحظة واحدة، فاذا غفل الانسان لحظة واحدة عن نفسه فان ذنبٌ واحد يكفي بأن يوقعه في الدرك الأسفل من نار جهنم.
ثم يبين سماحته “شروط الدعاء لكي يكون مستجاباً”: وهي خمسة: الطهارة، والبكاء، والإلحاح، والتقرّب إليه بما يُحب، و”أفضل ما يتقرب به العبد الى ربه الورع عن محارم الله”، والالتزام بأوامره وأحكامه.
وقبل الختام نتبرك بكلمات نورانية في مقدمة هذه المناجاة، نسأل الله –تعالى- ان نوفق لمداومة قراءته كل يوم: “اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاسْمَعْ دُعائِي إِذا دَعَوْتُكَ وَاسْمَعْ نِدَائِي إِذا نادَيْتُكَ وَأَقْبِلْ عَلَيَّ إِذا ناجَيْتُكَ فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ مُسْتَكِيناً لَكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ راجِياً لِمَا لَدَيْكَ ثَوَابِي وَتَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَتَخْبُرُ حاجَتِي وَتَعْرِفُ ضَمِيرِي وَلا يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْرُ مُنْقَلَبِي وَمَثْوايَ وَما أُرِيدُ أَنْ أُبْدِىءَ بِهِ مِنْ مَنْطِقِي وَأَتَفَوَّهَ بِهِ مِنْ طَلِبَتِي وَأَرْجُوَهُ لِعاقِبَتِي وَقَدْ جَرَتْ مَقادِيرُكَ عَلَيَّ يا سَيِّدِي فِيما يَكُونُ مِنِّي إِلَى آخِرِ عُمْرِي مِنْ سَرِيرَتِي وَعَلانِيَتِي وَبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيْرِكَ زِيادَتِي وَنَقْصِي وَنَفْعِي وَضَرِّي”.