{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. (سورة البقرة آية/ 183).
ماذا تقول الآية؟
1- عندما تبدأ الآية القرآنية بـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإن ذلك يعني أنّ موضوع الآية يرتبط بالايمان بشكل من الاشكال، أي: إذا كنتم مؤمنين فإن من لوازم الايمان هو العمل بما في الآية من تشريع إيجابي أو سلبي.
2- وعندما يقول الرب: (كُتِب) فهو يفرض علينا واجباً ثابتاً، فمعنى الكتابة واضح، وتأتي الكلمة بمعنى الفرض والتثبيت والتوثيق: {كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغلِبَنَّ أَنا وَرُسُلي} {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} {أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} إذن، الآية بصدد اعلان وتثبيت عمل واجب على المؤمنين.
3- وهذا الفرض هو (الصيام)، والصوم هو الكفّ عن الشيء: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} والصوم في شرعنا هو: الكفّ عن بعض الامور في فترة زمنية محدَّدة، وأهم هذه الامور ثلاثة: الطعام والشراب والجنس.
4- ولأن الصوم فرض جديد على المسلمين، ويتضمن امراً ثقيلاً وهو الكف عن شهوات ثلاث: الطعام والشراب والجنس، فان الله يقول: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، وهذا نوع تخفيفٍ من حدة وطأة التشريع الجديد وثقله، فهو ليس خاصاً بكم ايها المؤمنون، إنما هو كان مكتوباً على السابقين أيضاً، ولكن ربما باختلاف في بعض التفاصيل.
5- ولكلِّ تشريعٍ هدف، خاصة حينما يكون المشرِّع هو الله الحكيم، فما هو هدف تشريع الصوم بما فيه من صعوبة وصراع مع مشتهيات النفس؟ إنه تربية الذات، وتزكية النفس وتدريبها على تحمل الصعاب: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والتقوى هو الالتزام.
🔶 بين المقايضة والتزكية
كان الكفار والمشركون يصومون أيضاً كلٌّ باسلوبه الخاص، ولكن لماذا كانوا يفعلون ذلك؟
ألف: كان بعضهم يصوم ارضاءً للوثن الذي صنعه بيديه واتخذه إلهاً.
باء: وآخرون كانوا يصومون لاطفاء نار غضبهم إذا أجرموا أو ارتكبوا ذنباً للتخلص من وخز الضمير.
⭐ عندما تبدأ الآية القرآنية بـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإن ذلك يعني أنّ موضوع الآية يرتبط بالايمان بشكل من الاشكال، أي: إذا كنتم مؤمنين فإن من لوازم الايمان هو العمل بما في الآية من تشريع إيجابي أو سلبي
جيم: وفئة ثالثة كانت تصوم لإنجاح حاجة والحصول على مكسب، وهكذا تجد أن صومهم كان نوع مقايضة وليس عبادة تربوية.
بينما الصوم الذي يشرِّعه الرب المتعال للإنسان المؤمن يهدف تنمية روح الالتزام الواعي في نفس الانسان (لعلكم تتقون). فبالصوم – كأحد وسائل التزكية – تخطون كل عام خطوة جديدة نحو حياة مختلفة عن حياتكم السابقة او المألوفة الآن، حياة بعيدة عن الذنوب والمعاصي ومخالفة الله، والتقوى هي التي تحقق هذا الهدف، والصوم يساعد على زرع التقوى في النفوس.
🔶 اعادة صياغة النفوس
الصوم الحقيقي يعود أثره على نفس الصائم، فالنفس قد تتجه نحو الامور السلبية في الحياة فتدمِّر الانسان وتسوقه الى نار جهنم، وقد تكون وسيلة لارتقاء الانسان درجات رفيعة في سماء الطاعة والتسليم لله، والخلق الفاضل والسلوك القيمي في الحياة، فيعيش حياة طيبة في الدنيا ونعيما خالداً في الآخرة، ورضوان الله أكبر.
وعندما يخاطبنا الامام المعصوم بقوله: “صُومُوا تَصِحُّوا”.(دعائم الاسلام، ج1، ص342). فلا نظن أن المقصود هو الصحة البدنية فقط، بل وأيضاً – وربما بدرجة أهم – الصحة النفسية والروحية والمعنوية.
🔶 بين مجتمع الصائمين وفئة المفطرين
فعندما تكفُّ نفسك عن الطعام والشراب والجنس الحلال لساعات طويلة لأن الله أراد منك ذلك، فانك تدرِّب نفسك على الامتناع عن الحرام الذي نهاك الله عنه.
وحقاً، لو قارنت بين مجتمع المؤمنين الملتزمين بالصوم سنوياً كما أمرهم لله تعالى، وبين الجماعات العاصية المتمردة على الله بترك الصوم بلا عذر ومبرر شرعي، لوجدت مجتمع الصائمين أقل ذنوباً، وأكثر التزاماً بالاستقامة في الحياة وباحترام حقوق الناس، والتمسك بالقيم الاخلاقية الفاضلة، لأنهم حين يصومون تصح ارواحهم ونفوسهم – الى جانب الصحة الجسدية – بينما جماعة المفطرين عصياناً، لا تجدهم إلا غارقين في الذنوب، وأكل اموال الناس بالباطل، وإيذاء الناس، وعدم احترام الجيران، والجشع، والطمع، والحرص.. الى آخر السلوكيات المذمومة.
🔶 صوم الجوارح والجوانح
ولكي تضاعف الآثار التربوية للصوم على نفسك وحياتك، فلابد أن تكف – إضافة الى الطعام والشراب والجنس – عن الكلام الباطل فتطهر لسانك، وعن الأفكار السلبية فتزكي عقلك وذهنك، كما عليك أن تتجنّب كل عمل أو تصرف يؤذي الآخرين في المجتمع، سواء مجتمعك الصغير وهو الأسرة، أو المجتمع الكبير الذي تعيش في أحضانه في بلدك.
⭐ لو قارنت بين مجتمع المؤمنين الملتزمين بالصوم سنوياً كما أمرهم لله تعالى، وبين الجماعات العاصية المتمردة على الله بترك الصوم بلا عذر ومبرر شرعي، لوجدت مجتمع الصائمين أقل ذنوباً، وأكثر التزاماً بالاستقامة في الحياة وباحترام حقوق الناس
فالمؤمن المتقي – الذي ينمّي التقوى بالصوم – قدوة في الأخلاق الحسنة، ومثال يُحتذى في احترام الناس، احترام حقوقهم، ليست المادية فقط أي المال، وإنما أيضاً حقوقهم المعنوية من التكريم، والصدق في التعامل، ومساعدة المحتاج، والعطاء، والانفاق، والتكافل، وما شاكل.
ولنقرأ – في الختام – ما جاء في كتاب مصباح الشريعة، قال الامام الصادق عليه السلام: قال النبي، صلى الله عليه وآله: “الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَحِجَابٌ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ” فَإِذَا صُمْتَ فَانْوِ بِصَوْمِكَ كَفَّ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَقَطْعَ الْهِمَّةِ عَنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَالشَّيَاطِينِ، وَأَنْزِلْ نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْمَرْضَى، لَا تَشْتَهِي طَعَاماً وَلَا شَرَاباً، وَتَوَقَّعْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ شِفَاءَكَ مِنْ مَرَضِ الذُّنُوبِ، وَطَهِّرْ بَاطِنَكَ مِنْ كُلِّ كَذِبٍ، وَكَدِرٍ، وَغَفْلَةٍ، وَظُلْمَةٍ يَقْطَعُكَ عَنْ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.