اين ما ألقى الانسان ببصره وبصيرته على أهل البيت، عليهم السلام، يجد المنهج الرباني الشامل متجسدا في شخصياتهم، واليوم مع الحرب الشعواء التي تستهدف الاسلام والمسلمين، في محاولة لضرب القيم والأخلاق، وسلخ الأمة عن اصالتها ومنعتها، فنحن بأمس الحاجة الى الاستقاء والارتباط أكثر وأكثر بالنبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم، فما يعيشه المجتمع من مآسٍ ومشاكل اجتماعية ونفسية وسياسية وما اشبه، يحتم علينا الرجوع الى المناهج الالهية والتي تكفل السعادة للفرد والمجتمع على حد سواء.
ونحن إذ نعيش ولادات الاطهار، ومنها ولادة الامام زين العابدين، عليه السلام، فمن الحيف والغبن أن تمر علينا هذه المناسبة مرور الكرام ولا نستفيد منها.
حياة الامام السجاد عليه السلام، حفلت بكثير من العبر والدروس التربوية، لكن ما سنسلط عليه الضوء في هذا المقال هو “إحسان الإمام”، وما تمثله هذه القيمة الاخلاقية كجسر قوي يشد اواصر المجتمع ببعض البعض، وتركيز الامام السجاد، عليه السلام، على هذه القيمة الاخلاقية المهمة ينبئ على أهميتها في بناء المجتمع الاخلاقي والقيمي.
⭐ لقد ضرب المثل في كرم الإمام زين العابدين واحسانه وبره وصدقاته في غياهب الليل وتحت اجنحة الظلام، وكان ذلك في مدنية جدّه رسول الله، صلى الله عليه وآله
ولقد ضُرب المثل في كرم الإمام زين العابدين واحسانه وبره وصدقاته في غياهب الليل وتحت اجنحة الظلام، وكان ذلك في مدينة جدّه رسول الله، صلى الله عليه وآله.
كان للإمام السجاد، عليه السلام، ابن عم، وكان يأتيه الإمام بالليل متنكراً فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول: لكن علي بن الحسين، عليه السلام، لا يواصلني، لا جزاه الله عني خيراً.
فيسمع الإمام ذلك لكنه يتحمل ويصبر ولا يعرفه بنفسه، فلما مات علي بن الحسين، عليه السلام، فقدها، وحينها علم أنه كان الامام بنفسه، فجاء الى قبره وبكى عليه.
من هذه القصة نستفيد العِبر الكثير وأهمها هو الاحسان الى الأقربين، وللأسف فإن هذه القيمة الاخلاقية مفقودة لدى البعض، فتراه يهب العطايا لمن هب ودب، ولكن اقرباءه يعانون العوز والفقر، وهو غير ملتفت اليهم، وفي هذا الصدد، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
عن سفيان بن عيينة قال: “رأى الزهري علي بن الحسين ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له يا بن رسول الله ما هذا؟ قال: أريد سفرا أعد له زادا أحمله إلى موضع حريز فقال الزهري: فهدا غلامي يحمله عنك فأبى، قال انا أحمله عنك فأني أرفعك عن حمله فقال علي بن الحسين لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني، فانصرفت عنه فلما كان بعد أيام قلت له: يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا، قال بلى يا زهري ليس ما ظننته ولكنه الموت وله كنت استعد، إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى والخير”. (علل الشرائع – الشيخ الصدوق – ج ١ – الصفحة ٢٣١).
🔶 كيف تنمو شجرة الاحسان؟
يقول الإمام الصادق، عليه السلام: كان علي بن الحسين، عليه السلام، إذا كان اليوم الذي يصوم فيه يأمر بشاة فتذبح وتقطع اعضاؤها وتطبخ، وإذا كان المساء أكبَّ على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم، ثم يقول: هاتوا القصاع، اغرفوا لآل فلان، حتى يأتي على آخر القدر، ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون بذلك عشاؤه.
وهذه ميّزة وخصيصة كانت للنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، ومن ثم الأئمة الطاهرين من بعده، قال النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “يا علي إذا طبخت شيئا فأكثر المرقة فإنها أحد اللحمين، واغرف للجيران، فإن لم يصيبوا من اللحم يصيبوا من المرق”.
وهذا ما نجده في مجتمعنا الاسلامي في أيام المناسبات وخصوصا في شهر رمضان المبارك، فترى أهل الحي يتبادلون الأطعمة والاشربة وما شابه، وهذا من شأنه خلق أواشج المحبة والتعاون فيما بين الناس.
ولأن الفضائل الاخلاقية لا تكون منفصلة عن بعض، فكل فضيلة تشكل دافعا لفضيلة أخرى، فالكريم شجاع، وصادق، وصاحب أمانة وما اشبه، وهذا ما نستفيده من حياة الامام السجاد، عليه السلام، فكان العابد المتهجد، وسمّي السجاد لكثر عبادته، عليه السلام.
⭐ إن الاحسان يعد من أسمى مراحل التكامل بين الناس، لانه يلغي الحواجز النفسية ويذهب بالضغائن والاحقاد
“بالرغم من أن الجميع يطمحون إلى الإحسان، إلا إنهم يجدون أيديهم وأنفسهم مقبوضة عن العطاء حينما ينزلون إلى ساحة العمل، فكيف نخلق صفة الإحسان في أنفسنا؟
بالصلاة؛ لأنها تخلق في الإنسان دوافع الإحسان، وبالزكاة لأنها تطهر القلب من حب الذات كما تطهر المال، وكذلك باليقين، فكلما تأكدت الحقائق عند الإنسان كاليقين بالموت وبما بعده من الجزاء كلما كان أكثر إحسانا للآخرين، إذ يتأكد بأن ما يعطيه لا يذهب سدى، بل يعود إليه في صورة جنات أعدها الله للمتقين، فهو آنئذ لا يعتبر المغنم ما يصرفه على نفسه، بل المغنم كل المغنم هو ما ينفقه في سبيل الله”.(من هدى القرآن، ج7، ص:81).
إن الاحسان يعد من أسمى مراحل التكامل بين الناس، لانه يلغي الحواجز النفسية ويذهب بالضغائن والاحقاد، ولأن الايمان والتقوى لابد ان يتجسدا في حياة الانسان المؤمن فكرا وسلوكا وأخلاقا، فإنهما بحاجة الى الاحسان والذي يعد التمثيل العملي لهما على ارض الواقع، وهذا ما نستفيده من حياة الامام السجاد عليه السلام، والذي كان قمة شامخة في الاحسان والايمان والتقوى.