كثُر الحديث عن طرق الوصول الى السعادة، فهبّت الشعوب والأمم منذ غابر الايام وما تزال، تبحث هنا وهنا متفحصة الافكار والتجارب علّها تجد ضالتها وما ينجيها من الشقاء والبؤس والحرمان، غاضّة النظر عن مدى المصداقية في هذا الشعار او تلك الفكرة التي استغل اصحابها الحاجة الانسانية الملحّة أبشع استغلال فحققوا مصالح شخصية وفئوية، وما ان استوفوا حاجاتهم ضربوا الناس والمجتمع أجمعين عرض الحائط.
ومن أهم بنود السعادة؛ التقسيم العادل للثروة الذي نجده بأروع صوره في النظام الاسلامي الذي أرسى دعائمه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، ففي غضون عشر سنوات من عمر الدولة الاسلامية في المدينة المنورة، عرفت الانسانية، ولأول مرة طعم السعادة الحقيقية في جوانب عديدة من الحياة، ومنها ما يتعلق بالجانب المعيشي، مع المفارقة الغريبة بين تلك البشارة، وبين الواقع المأساوي الذي تعيشه شعوبنا، لاسيما الغنية منها بالثروات، مثل الشعب العراقي، والسبب في غياب العدالة في تقسيم الثروة، في مقابل تكالب رهيب على الامتيازات، واستئثار بما يسمى بـ”الثروة الوطنية”؛ ولذا نجد اليوم، جحافل العاطلين وشريحة واسعة ممن هم على خط الفقر ودونه، و رواج فكرة الإبطاء عن الزواج او حتى العزوف عنه، لمعرفة الشباب أن الزواج يدفعهم الى تحمل مسؤوليات المعيشة القاسية بما لا يقوون عليه.
ولكن؛ النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وبكل بساطة، حل هذه المشكلة الاقتصادية، بقانونين:
الاول: “الأرض لمن عمرها”.
والثاني: “من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به”.
القانون الاول، يعطي الحق والفرصة لكل مسلم، لأن يستفيد من الأرض المشاع، سواء للسكن او للعمل، وهذا القانون، يرمي الى هدفين: الاول؛ حل مشكلة السكن، والثاني؛ حل مشكلة العمل.
وقد نقل الشيخ الطوسي، وهو من كبار الفقهاء والمراجع من الرعيل الأول في التاريخ الشيعي، في كتابه “تهذيب الأحكام” عن النبي، صلى الله عليه وآله، انه قال: “من غرس شجراً أو حفر وادياً لم يسبقه إليه أحد و أحيى أرضاً ميتةً فهي له”.
أما القانون الثاني، فهو بالحقيقة يمثل ابتكاراً رائداً ورائعاً منه، صلى الله عليه وآله، للحثّ على التنافس في أمر البناء والعمران، بالاستفادة مما وهبه الله -تعالى- للناس من ثروات وخيرات، مثل المياه والارض والمعادن.
ولا يتصور البعض أن هكذا طرح يؤدي الى الفوضى، كون الجميع يفكّر بالاستحواذ على اكبر قدر من الثروة لحالة نفسية مغروزة في الانسان، بيد أن العلماء والحكماء أوضحوا الآلية بتحمّل الدولة مسؤوليتها في الادارة والتخطيط والتنظيم، بغية التعامل الصحيح والعادل مع الثروات والقدرات العائدة الى عموم الشعب، وفي إطار القاعدة النبوية العظيمة: “لا تُظلمون ولا تَظلمون”.
جاء في كتاب “الاقتصاد” لسماحة المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- شرطان في ذلك؛ بأن لا يكون فيه تعدٍّ على حق الأجيال القادمة، والشرط الآخر؛ أن لا يكون تجاوزاً على حقوق الآخرين، بمعنى أن النظام الاسلامي يحفظ حقوق الجيل الموجود وايضاً الاجيال القادمة الى عشرات السنين، في عملية الاستفادة من هذه الثروات.
وبذلك تكون الثروة، – زادت أو قلت – في متناول أيدي الناس، ولن يكون هنالك فقير ولا محتاج، كما نلاحظه اليوم في دولنا الغنية، ومنها العراق، التي نجد المعادن والمقالع والمزارع، أشبه ما تكون اليوم، بمحميات حكومية يمنع الاقتراب منها، كونها تابعة لساسة ومتنفذين في الدولة، وإن علت بعض اصوات الاحتجاج في وسائل الاعلام او من المؤسسات الدينية والثقافية، نرى الاسراع في الوعود الفارغة لذر الرماد في العيون، على أن العائدات تذهب الى تغطية نفقات المدينة وسد حاجة فقرائها! فهل حصل هذا فعلاً؟! وهل بالامكان الوصول الى الطريق الذي شقّه لنا نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله؟
- المقالم منشور في مجلة الهدى بنسختها الورقية في العدد 289 بتاريخ نيسان2016.