أسوة حسنة

دروس زينبية

سؤال: من هي زينب؟

شملتها عناية خمسة معصومين هم أصحاب الكساء؛ سيد الكون محمد، صلى الله عليه وآله، وسيدة نساء العالمين فاطمة، وأبو الأئمة وداحي باب خيبر علي، وأخويها الإمامين الحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء،عليهم السلام، وهذه الخاصية أو الميزة جعلت منها عالمة غير معلمة، وجعلت منها فقيهة، و مخزناً ومنبراً لعلوم أهل البيت، عليهم السلام.

 البعض منا يدخل حوزة علمية، يعاشر عالماً معيناً وبعد فترة نرى فيه آثار العلم، فما بالنا بعقيلة الهاشميين وقد تربت وترعرت في حجر أصحاب الكساء وزقت العلم زقاً، فقد ورثت خصائصه، وحكت مميّزاتهم، وشابهتهم في سموّ ذاتهم ومكارم أخلاقهم .

كما أنَّ لأخيها أبي الفضل العباس فضل وعناية بها، فقد كانت تعوِّل عليه في كل شيء إلى أن سميَّ،  عليه السلام،  بالكافل، ولأثره فيها ومكانته وقيمته عندها نادت عند سماعها بخبر استشهاده: “واضيعتاه بعدك يا أبا الفضل”.

وأيضاً كان لهذه السيدة العظيمة تأييدات ربانية، يقول الامام السجاد، عليه السلام،  مخاطباً لها: “أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة”.

يذكر في زيارة السيدة زينب، عليها السلام: “السلام عليك أيتها الفاضلة الرشيدة، السلام عليك أيتها العاملة الكاملة، السلام عليك أيتها المظلومة المقهورة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك يا تالية المعصوم”؛ فما معنى تالية المعصوم؟

 وما الذي يستطيع القيام به صاحب هذه المنزلة؟

العصمة هي لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما.

وقد ثبت هذا المقام من العصمة للأنبياء ولاسيما للنبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلّم، وللصديقة الزهراء، عليها السلام، والإمام علي، عليه السلام، وللأئمة من ولده، وليس هناك أي دليل على عصمة سواهم بهذا النوع من العصمة، أما عصمة السيدة زينب، عليها السلام، وكذلك أخوها أبي الفضل العباس، عليه السلام، فهي عصمة مكتسبة تحصل للإنسان في زمن الإقبال على الله عزوجل والوصول إلى درجة عالية من التقوى.

زينب، عليها السلام، دروس عملية لنا، وحقيقة أكبر وأعظم درس لابدَّ أن نتعلمه منها، عليها السلام، هو تحمل الشدائد والمصائب والصبر

 ومما لاشك فيه أن السيدة زينب، عليها السلام، طاهرة من الدنس والرجس، ويكفي في إثبات ذلك عدم صدور ما ينافي العصمة منها حتى في أحلك الظروف وأشد المواقف، ثم إنَّ العلم هو أحد ركائز العصمة والسيدة، عليها السلام، شهد لها الامام زين العابدين، عليه السلام، فقال: “أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة”، فشهادته هذه تثبت علمها ومقامها وكمالاتها الروحية والمعنوية.

فمقام تالي المعصوم يناله من كانت عصمته عصمة اكتسابية لاذاتية، كالنبي، صلى الله عليه وآله، والأئمة، عليهم السلام، فرتبتها المعصومية تأتي في الرتبة الثانية من درجات العصمة.

وتالي المعصوم لا يلي أي أمر من الأمور الثابتة للإمام فلا يتقدم عليه ولا يغسله ولا يجهزه ولايؤول اليه أي شأن من شؤون الامامة، بل يقوم بالمهام التي يكلفه بها المعصوم ويوكلها إليه، فهو ملجأ لشيعته في حال مرض الامام أو غيبته.

والسيدة زينب، عليها السلام، نابت نيابةً خاصة عن الحسين، عليه السلام، في حماية الامام زين العابدين، عليه السلام، من الأعداء حتى برئ، وكانت، عليها السلام، ملجأً للناس يرجعون إليها في حاجاتهم وأسئلتهم، وكانت، عليها السلام، داعمة لثورة أخيها الحسين، عليه السلام، من خلال خطاباتها وكلماتها، فأفشلت بأساليبها مؤامرات اليزيديين فأقامت المجالس على الحسين، عليه السلام، وبكت عليه وغير ذلك

  • الدروس التي يمكن لنا أن نتعلمها من السيدة زينب، عليها السلام

زينب، عليها السلام، دروس عملية لنا، وحقيقة أكبر وأعظم درس لابدَّ أن نتعلمه منها، عليها السلام، هو تحمل الشدائد والمصائب والصبر، بل الرضا بما أراده الله  ـ عز وجل ـ والتسليم له تعالى، فلا نعتقد أنه يوجد سيدة على وجه الأرض وعبر الازمنة شهدت مصائب كزينب، عليها السلام، طبعاً من بعد أمها عليها السلام.

 فأول ماجرى عليها فقدها لجدها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلّم، وفقدتْ أمها الزهراء،  عليها السلام، ومن ثم اخاها الحسن، عليه السلام،، وختمت مصائبها بماجرى أمام أعينها في أرض كربلاء بدءاً بقتل أولادها وإخوتها وأولادهم أمام أعينها، وانتهاءاً بحرق الخيام و السبي ودخول مجلس يزيد وهي الحرة الأبية، سليلة النبوة والإمامة، فقط لو قارنا بين وجودها وسيرها في زمن خلافة أبيها علي، عليه السلام، وهو إمام وأمير المؤمنين، عليه السلام، وبين سيرها أسيرة تنعت بالخارجية ومع ذلك، ماجزعت ولا ذلت ولاكسرت.

لابدَّ أن نرى ونُري زينب، عليها السلام، بهذه الصورة الجبارة القوية، وعلينا أن نقرأها قراءة صحيحة لا كما يصوِّرها بعض الكتاب وأهل المنابر ليستدروا دموع السامع، هي تعلمنا الصبر على كل شدة تواجهنا واحتسابها قربة لله تعالى وتعلمنا الرضا والتسليم لله عزوجل.

أعطتنا زينب درساً في القوة والجرأة والثبات في المواقف لذلك لقبت بالجبل، وكثير من المواقف تظهر تلك الصفة فيها، من خطبها التي كانت تلقيها بلسان بلاغة أمير المؤمنين، عليه السلام، وقوة وثبات الزهراء، عليها السلام،، ومنها خطبتها عن لسان أمها في حقها بفدك، وغيرها، وأقواها خطبتها في مجلس ابن زياد: “فاسع سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا”، وبقية كلمات هذه الخطبة التي زلزلت عرش يزيد وزعزعت جبروته وطغيانه، واجّجت كل من حوله عليه، كلماتها لشدتها وقوتها وبلاغتها قلبت المقاييس وأرته نهايته التي سيؤول إليها بفعلته بقولها عليها السلام: “فلئن اتّخذتنا مغنَماً، لتجدُنا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك، وأن الله ليس بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المُعَوّل”.

وهي تقول بذلك لنا أنَّ صوتَ الحقِ لا يُخمد مهما استبدّ الاستكبار في طغيانه، وعَلا صوته وجال وصال وعاثَ في الأرضِ الفساد، و أنَّ الكلمة في بعض الأحيان تكون أحدَّ مِن صَليلِ السيوف..

علمتنا،  عليها السلام، بعد النظر فهي لم تكن تنظر لما يجري عليها وعلى أهلها بعين مُلكية كسائر البشر بل بعين ملكوتية، فقالت، عليها السلام: “الحمد لله الذي حَكَم لأولنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة”.

ترى عن أيِّ سعادةٍ تتكلم، عن قطع الرؤوس، أم سبي النساء أم قتل الأطفال، عن التعطيش والحرق والنوق الهزيلة، كانت تتحدث عن سعادة رأتها وعلمت بها وهي السعادة الأبدية وليست المؤقتة.

لماذا نقول السيدة زينب،  عليها السلام: أرادت وداع أخيها الحسين، عليه السلام؛ لماذا لا نقول أنها أرادت وداع إمام زمانها؟ فهي قد ذابت في إمام زمانها، فالانسان من الممكن أن يتحمل أن يضرب أو يقتل أخوه، او زوجه، ولكنه لايحتمل أن يضرب أو يقطع رأس إمام زمانه أمامه.

كما كان بكلامها وتصرفاتها مع الامام الحسين، عليه السلام، درسٌ لنا بأن نصرة إمام الزمان، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، ليست حكراً على الرجال فقط، بل يمكن للمرأة أن تقود ثورة وأن تقف بوجه الظالم وتزلزله كما فعلت الكثيرات في هذا العصر وعلى مر العصور.

زينب، سلام الله عليها، كانت ألمع خطيبة في الإسلام، فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي، وذلك في خطبها التأريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية.

  • دور مولاتنا زينب، عليها السلام، في ترسيخ الستر والعفاف

السيدة زينب، عليها السلام، لاقت ما لاقت خلال مسيرة حياتها وعانت ماعانت، ولكن ذلك لم يجعلها تتخلى يوماً عن عفافها وحجابها، فلُقبت بفخر المخدرات، فمن أجلها تخفض الانوار ليلاً لكيلا يُرى ظلها، فقد كانت زينب،  عليها السلام، في كربلاء، والحرب مشتعلة والخيول تتراكض والسهام في كل مكان والعطش وبكاء الأطفال وفقد الرجال، مع كل ذلك كان همها حجابها وسترها، ومن عادة الانسان عندما يتعرَّض للشدائد يتخلى عن كثير من الأمور، أو يسقط في الاختبار فيترك صلاته او يتنازل عن حجاب والعياذ بالله ولكنها،  عليها السلام، لم تطبق قاعدة: “الضرورات تبيح المحظورات”.

السيدة زينب، عليها السلام، لاقت ما لاقت خلال مسيرة حياتها وعانت ماعانت، ولكن ذلك لم يجعلها تتخلى يوماً عن عفافها وحجابها

ومن جهة أخرى إذا أردنا أن نعرض مواقفاً من العفاف لها، صحيح أنها كانت في مجلس ابن زياد ولكنها تكلمت معه بصوت قوي ليس فيه رقة ولا خضوع، كانت تتكلم بصوت علي وببلاغة فاطمة، عليهما السلام.

وربما يعترض معترض فيقول إنَّ هذا العفاف والحجاب يمنع المرأة من تأدية مهامها وما كلفها الله به من واجبات، كما يدعي البعض، فهل هذا صحيح؟

أثبتتْ مولاتي العقيلة، عليها السلام، أنَّ الحجاب والعفة سلاح ناجح لأداء المهام والواجبات، فخطبت في جموع الناس عندما دخل السبايا إلى الكوفة وأخذوا ينظرون إلى السبايا: “يا أهل الكوفة أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي”.

وأثناء السبي والسير إلى الشام طلبت من حمله الرؤوس أن يتقدموا، وكان هدفها من ذلك انشغال الناس بالرؤوس عن الحرم، فأمر اللعين بوضع الرؤوس في وسط المحامل ليؤذي زينب، عليها السلام، وبقية النساء لعلمه بأنها بطلبها حريصة على سترهن وعفتهن وحجابهن.

ومع كل ماجرى عليها أدت دورها بكل قوة وصلابة وعلى أكمل وجه، بل كانت، سلام الله عليها، صاحبة الثورة الاعلامية ومازالت إلى عصرنا الحالي.

يذكر لنا القرآن الكريم قصة بنات النبي الله شعيب، عليه السلام، وهن يؤدين مهمة إرواء الأغنام، فكان أبوهن شيخاً كبيراً، ولكن بالرغم من ظروفهن حافظن على عفتهن، و عندما أرسل شعيب، احداهن إلى موسى، عليه السلام، فجاءت بهيئة يصفها القرآن بأنها على استحياء: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، وهنا الوصف بكلمة (على استحياء) أي أنَّ مشيتها يظهر منها التعفف والحياء .

السلام عليك ياعقيلة الهاشميين

السلام عليك ياجبل الصبر

السلام عليك مابقيت وبقي الليل والنهار.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا