كل بناء يُشيّد لابد ان يكون له قاعدة يستند عليها، وحجم قاعدة بناية ما ونوع المواد المستخدمة فيها هما العاملان المؤثران في بقاءها صحيحة القوام والكيان، كذلك بناء شخصية الطفل يشبه تشيد المباني الى حد كبير قد يصل الى حد التطابق، فلكما كانت الاساسات سليمة كلما كان الناتج مبهر او انه سليم على اقل تقدير والعكس هو الصحيح.
هل يُصنع الإنسان؟
عملية اعداد الإنسان للحياة تكاد تكون صناعة ولعل صناعة الإنسان من اكثر الصناعات تعقيداً لكونها تتعامل مع امزجة وشخصيات وعوامل شخصية خارجية وداخلية، والتعديل في هذه الصناعة ليس مستحيلاً لكنه ليس يسيراً بالمرة، لذا ينبغي ان نحسن صنيعنا لنضمن رواجه وتقبله.
من بساطة الكثير من الناس انهم لا يولون مرحلة الطفولة اهمية لجهلهم بما تمد هذه المرحلة شخصية الإنسان من مقومات، تكون في النتيجة هي الفيصل في ان ينحى الإنسان احد المنيحين (فجورها او تقواها)
في صناعة الإنسان تعلب مرحلة الطفولة دوراً محورياً هاماً لكونها من اكثر الفترات الاخرى حساسية فضلها عن كونها من اكثر الفترات مرونة وبذا يمكن للأهل تشكيل شخصية قوية للطفل أو شخصية ضعيفة، فالطفل هنا اشبه ما يكون بالطين الصناعي الذي يعطي شكل القالب الذي يوضع فيه، لأن الطفل يكتسب العادات التي يتعود عليها والتقاليد التي ينشأ في وسطها والقيم التي يتربى عليها.
من بساطة الكثير من الناس انهم لا يولون مرحلة الطفولة اهمية لجهلهم بما تمد هذه المرحلة شخصية الإنسان من مقومات، تكون في النتيجة هي الفيصل في ان ينحى الإنسان احد المنيحين (فجورها او تقواها)، ولغفلة الكثير من الناس عن هذه الاهمية رأيت ان من دوري ان اقوم في مقالي البسيط هذا بتسليط الضوء على اهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان.
من الاهمية بمكان تقديم الاطفال للناس بتفاخر وتعظيم وعدم الانتقاص منهم امام الناس وهذا ما يجعلهم واثقين من انفسهم ومقدرين لها
المختصون في التربية يطلقون على هذه الفترة اسم “الفترة التكوينية” لأن الإنسان يتكون فيها ويتحدد فيها ذكاؤه، وتتلخص اهمية مرحلة الطفولة في اكساب الطفل للعادات والتقاليد والقيم المتنوعة فإن نشأ في أسرة سويّة أصبح سوي والعكس، مع عدم استحالة أن يعدل الإنسان من نفسه عندما يكبر فكل انسان له القدرة على التخلص من طباعه السلبية واكتساب طباع جيدة عندما يعرف ويفهم الصح من الخطأ ولكن بشرط أن يكون انسان ذو عزيمة وإصرار وتفاؤل وأمل”.
ماهي اخطاءنا بحق اطفالنا؟
من الاخطاء الكارثية التي نرتكبها بحق ابناءنا هي :
1-استقدام المربيات الى المنازل مبررين ذلك بانشغالاتنا اليومية (الآباء والامهات)، سيما المربيات الاجنبيات اللواتي يحملن لغة مختلفة ودين مختلف وثقافة مختلفة وطريقة في التربية لا تشبه ابداً تلك التي تربينا عليها في صغرنا، ونتيجة لذلك ينشأ جيل يعاني من الانفصال عن الواقع مع اتصافه بالتشتت والضياع بين بيئتين مختلفتين وهما بيئته الاصلية وبيئة المربية.
2- حين نصطحب الطفل في دعوة ما قدمت الينا او اصطحابه الى المطعم فإن الكثير منا يكتفي بوجبة غذاء واحدة للاثنين ولا يطلب له وجبة غذاء خاصة به.
3- حين يكون معنا في سيارة الاجرة فإن الكثير منا ايضاً يجلسه معه في نفس المقعد ربما تجنباً لدفع اجرة مقعده اضافية.
4- حين يقدم على القاء السلام على ضيوف في منزلنا فإننا نطلب من الضيوف عدم القيام له على اعتباره طفل صغير.
5- حين يشارك في حديث قائم في مجلس ما فإن الاغلب يقمون بإسكاته او عدم الانصات لكلامه او الاستهزاء بكلامه.
6- لا نشركهم في المهام سواء في المنزل او خارجه بداعي الحماية والخوف عليه، كل هذه السلوكيات التي نقوم بها تقلل من شعورهم بقيمتهم وتجعلهم ضعيفي الشخصية وقد يستمر الامر معهم لمراحل متأخرة من اعمارهم.
ما الواجب حيالهم؟
اما يجب ان نفعله للأطفال لكي تتكون لديه شخصية قوية ومستقلة وذات قيمة وكيان وهدف فهو:
1- تربيتهم في احضان امهاتهم الحقيقيات لان حضن الام له من الاثر البالغ في حياة الطفل وبذا ينمو متوافقاً مع بيئته الطبيعية.
2- يجب ان نكون لهم قدوة في سلوكياتنا البسيطة والمعقدة لان الطفل يرى في والديه المثل الاعلى ويتم ذلك عبر اشراكهم في المناسبات الاجتماعية المناسبة لإعمارهم وميولهم.
3- اعطاءهم ادوار اجتماعية وعائلية تتناسب مع اعمارهم وقدراتهم الجسمانية والعقلية، مع التأكيد على عدم الافراط في منح الادوار التي لا تناسب اعمارهم مما قد يتسبب بظهور نزعة التعالي لديهم او تسيد الموقف في المنزل سيما في حالة غياب الاب.
4- من الاهمية بمكان تقديمهم للناس بتفاخر وتعظيم وعدم الانتقاص منهم امام الناس وهذا ما يجعلهم واثقين من انفسهم ومقدرين لها.
5- منحهم حرية نسبية في شق طريقهم العلمي والعملي والابتعاد عن مصادرة رغباتهم وكبتها، هذه هي نقائض الاخطاء التي نرتكبها بحقهم والتي لو طبقت ستجعل منهم قادة في مجتمعاتهم نافعين ومؤثرين.