ليس جديد قولنا بان أول ما أمر الله سبحانه وتعالى به نبيه الكريم محمد، صلى الله عليه واله، هو القراءة اذ قال له في أول سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، كما أنه ليس من الجديد بيان أهمية هذه الدعوة أو هذا الأمر، إلا ان المهم في هذا المقام هو لماذا جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ القراءة في أول دعوته للنبي محمد، صلى الله عليه واله، وأن بيان ذلك لا يأتي ولا يمكن الوصول اليه ما لم نعرف قيمة القراءة ومردودها الفعلي على الإنسان.
ومخطأ من يعتقد بان هذه الدعوة هي دعوة يكون فيها الفرد مخيراً بالاستجابة ولا يترتب على تركها ضررا على مستوى الأبعاد التي تشكل بناء شخصية الإنسان، فالمعروف عند الجميع ان كل ما موجود حولنا له مضمون يمثل المعنى وله شكل يعكس ذلك المضمون، ولا نريد ان نسهبَ في اختيار الأمثلة المختلفة مادية كانت أو غير مادية في توضيح ذلك بقدر ما يهمنا من ذلك هو الإنسان نفسه.
مخطأ من يعتقد بان هذه الدعوة هي دعوة يكون فيها الفرد مخيراً بالاستجابة ولا يترتب على تركها ضررا على مستوى الأبعاد التي تشكل بناء شخصية الإنسان
فهو احد الموجودات التي ينطبق عليها لغة الشكل والمضمون وأمثلة ذلك كثيرة على سبيل الحصر والإيجاز نجد من البشر ما يتميز به من شكل جميل إلا أنه في الوقت نفسه ذا خلق قبيح والعكس أيضا صحيح، وهذا معناه ان مضمون الشخصية يؤثر أو يشكل الحكم على صورة الشخصية ذاتها، فكلما كان اهتمامنا جيدا ومتوازن بين الشكل والمضمون كلما كنا أكثر اتزانا واستقرارا.
وهذا ما يفسر قول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، عليه السلام: “من رجح ظاهره على باطنه خف ميزانه”، أو ما يفسر التدريبات والتمرينات والترويضيات التي وضعها الإسلام من صيام وصلاة وموانع أخرى لأجل ضمان الموازنة بين ظاهر الإنسان وباطنه، وهذا ان دل على شي إنما يدل على أمر أكثر أهمية وهو ان لباطننا أي روحيا اهتمام كما ان لظاهرنا ذلك الاهتمام وهو ما يسعى اليه.
و كل ذلك جاء في القرآن الكريم أو على لسان نبينا الكريم محمد، وأهل بيته الأطهار، صلوات عليه وعليهم، بشكل إرشادات صحية على مستوى النفس أو على مستوى الباطن والظاهر، وفي هذا المجال نجد ان ديننا الإسلام الكريم قد حثنا على العلم وجعله امرا ضروريا و لا يمكن الاستغناء عنه بوصفه طعاما لباطن الإنسان، وهذا ما نجده في الايه القرآنية الكريمة {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ}، جاء في تفسير البرهان عن الأمام الباقر، عليه السلام: “فلينظر الإنسان الى طعامه قال: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه”.
قالت منظمة اليونسكو في تقرير لها عن القراءة في الوطن العربي أن المواطن العربي يقرأ (6) دقائق في السنة! مع ملاحظة أن هذه الإحصائية محذوف منها قراءة الصحف والمجلات والكتب الدراسية وملفات العمل وقراءة التقارير وقراءة كتب التسلية
فهنا نجد القرآن الكريم قد عبر عن العلم بالطعام، وبطبيعة الحال الإنسان ماديا أن لم يتغذى غذاء يدوم به نفسه قد يهلك من الناحية التكوينية بل يؤدي الى فناءه، أما من ناحية المضمون وبحسب التعبير القراني ان العلم هو الآخر طعام للإنسان، وهذا معناه ان لم يطلب الإنسان العلم ولم يتغذى بالمعرفة فإنه هالك وفاني لا محالة.
ولعل كلامنا هذا يكون اقرب الى معنى قول الشاعر: “أنما الميت ميت الإحياء”، ولا سبيل للعلم ولا طريق اقرب اليه من الاطلاع وقراءة الكتب، وبذلك يمكن ان نقول ان مقدمة الواجب واجب فما ان العلم وبحسب ما حث عليه القرآن الكريم في أول سورة العلق كما أسلفنا والنبي محمد، صلى الله عليه واله: “اطلبوا العلم من المهد الى اللحد”، أو “أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”.
وكثير مما يحمله تراثنا الإسلامي من أحاديث و وصايا تحث باتجاه الاهتمام به وجعله بمقدمة الخير والتكامل للنفس البشرية، فتكون القراءة باعتبارها نافذة رئيسية من نوافذ العلم والحصول على التكامل الإنساني هي الأخرى بنفس الأهمية.
ومما يستحق الذكر في هذا الصدد وهي حقيقة مؤلمة ينقلها لنا تقرير الكاتب عدنان غادر في مقال له تحت عنوان “مأساة القراءة في الوطن العربي هل ما زال خير جليس في الزمان كتاب؟ جاء فيه : جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية، والذي اشرف عليه المئات من الخبراء والعلماء والباحثين، ووصلوا الى النتيجة المذهلة القائلة، أن ثلث الرجال ونصف النساء في الوطن العربي لايقرأون.
من ناحية أخرى، قالت منظمة اليونسكو في تقرير لها عن القراءة في الوطن العربي أن المواطن العربي يقرأ (6) دقائق في السنة! مع ملاحظة أن هذه الإحصائية محذوف منها قراءة الصحف والمجلات والكتب الدراسية وملفات العمل وقراءة التقارير وقراءة كتب التسلية.
وهذا ان دل على شي أنما يدل على أننا مقصرون اتجاه ديننا الحنيف والالتزام بوصاياه مبتعدين عنه وعن الأخذ بما قدمه لنا من جواهر ثمينة نتزين بها في الدنيا والآخرة، فالإسلام دين العلم ودين المعرفة ودين البناء الصحيح، ولا يسعنا هنا إلا لفت الانتباه وبحكم المسؤولية التي نحملها ومدى الخطورة التي تحيطنا نسطر ما قاله الأديب الأمريكي راي براد بوري: ليس عليك أن تحرق الكتب لتدمر حضارة، فقط أجعل الناس تكف عن قراءتها ويتم ذلك.
المصادر
- البرهان في تفسير القران، السيد هاشم بن سليمان البحراني، ج الخامس، ص585
- الثقافة العقلية ودورها في نهضة الشعوب ، سعد شريف البخاتي، سلسلة إصدارات أكاديمية الحكمة العقلية،ط1، قم المقدسة، 2014.
وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه، ولا تكونوا علماء جبارين فذهب باطلكم بحقكم)
احسنت استاذنا الفاضل 🌺
كل التوفيق أستاذنا 💗