في حياتنا بصورة عامة والمهنية بصورة اخص دائماً ما نجد من يحاول ان يفرض رأيه ومعتقداته وحتى توجهاته الفكرية او السياسية او الدينية علينا، وعادة ما تشتعل هذه الرغبة لدى طرف يسعى الى التسلط وطرف اخره يرفضه ولا يتقبل الانصياع ل،ه فتحدث الحرب الشعواء التي يدفع ثمنها من لا سند له (الضعيف).
استاذة علم النفس الدكتورة عفاف حسن تقول: “إن التسلط هو نوع من جنون العظمة الذى يصاب به بعض الأشخاص، حيث إن الشخص المصاب بهذا المرض أو الذى لديه هذه السمة لا يرى إلا نفسه نظراً لأنه يشعر بالعظمة، ويعتقد أن كل من حوله يريدون التقرب منه لكونه يرى نفسه شخصاً ذا أهمية غير موجودة في غيره”.
يرى النفسيون ان الفرد المتسلط في العادة يعاني من مرض نفسي او مجموعة عقد نفسية سابقة سببت له مشكلات داخلية في شخصيته
عانى الكثير من الناس في حياتهم من وجود شخص متسلط يمارس الضغط عليهم، سواء كان أحد الأبوين أو الاخوة أو الأصدقاء او رئيس العمل، وكل هذا هدفه التحكم بالآخرين من باب اظهار القوة والجبروت وفي الواقع هذه الحالة هي مرض نفسي ليس الا والدلائل تقول ذلك.
على الصعيد المهني نرى ان الكثير من مسؤولي العمل يحاولون بسط نفوذهم بالإكراه على الموظفين الاصغر منهم وظيفياً لتعويض حالة النقص التي يعيشونها في محاولة منهم للإظهار قوتهم، غير مدركين لهشاشة شخصيتهم ومرضهم الذي حدى بهم الى اتباع التسلط والتجبر والتعالي.
في طريق فرضه للسلطة والنفوذ غالباً ما يسعى الشخص المتسلط الى إثارة الفتن والمشكلات باستخدام أساليب متنوعة وحيل للسيطرة على الأشخاص الاقل قوة ومناعة في المواجهة والتصدي للطغيان الحيواني الذي اصبح اليوم يُمارس على نطاق واسع بالمقارنة بالماضي.
لابد من الابتعاد عن اخذ رأي الإنسان المتسلط، حتى في اصغر الامور وعدم الانصياع لأوامره الغير مشروعة وان كان بموقع المسؤولية علينا
بماذا وصف المتسلطون؟
في مقولة طريفة ومنطقية في الوقت ذاته يقول (ليو تولستوي) مؤلف كتاب (الحرب والسلم) محللاً نفسية المتسلطين: “الجنون أفضل من العقل فالذين لا يملكون العقل يصلون إلى أهدافهم فهم لا يقيمون للحواجز اي أهمية، فلا الخجل ولا الكذب، ولا حتى الخوف، ولا انعدام الضمير يمنعهم من الوصول إلى ما يريدون”، نعم انها شخصية المتسلطين الراغبين في السيطرة والوصول الى الرياسة او الباحثين عن مجد لإراحة نفوسهم المريضة.
ما يقود الى التسلط
جملة من الاسباب المختلفة التي يعود اليها مرض التسلط واهم هذه الاسباب:
1- يرى النفسيون ان الفرد المتسلط في العادة يعاني من مرض نفسي او مجموعة عقد نفسية سابقة سببت له مشكلات داخلية في شخصيته، بالتالي انعكست على تصرفاته مع الآخرين من خلال التدخل في حياتهم ومحاولة السيطرة عليهم لتغذية النقص الحاصل لديه.
2- يعتقد النفسيون ايضاً أن التسلط ينتج عن خلل في التربية كإعطاء الطفل قسط كبير من الدلال وتنفيذ مطالبه بدون تأخير مهما كانت الظروف، وغير مبالين لأثر ذلك على طبيعته مما يحول شخصية الانسان الى شخصية متسلطة وهو ما يدفعه الى ممارسة سلطته سيما على الأشخاص الذين يرفضون تلبية مطالبه.
3- يشكل العامل الوراثي سبباً مهما في تكوين الشخصية المتسلطة، فمن البديهي نشوء الطفل في اسرة لديها ميول نحو فرض السيطرة فمن الطبيعي ان يتجه هو الاخر ليكون مثل هذه الحالة للأبناء لاكتسابهم وتقليدهم للشخصية المهيمنة خاصة فترة المراهقة والتي تعتبر من اكثر المراحل حرج ففيها تنمو الكثير من السلوكيات الغير منضبطة والتي يحاولون من خلالها إبراز شخصيتهم من خلال فرض سيطرتهم كما يعتقدون.
4- قد يكون الحرمان والكبت الذي يعيشه الانسان في مرحلة عمرية سبباً لحب التسلط في محاولة لتعويض ما فاته.
5- القسوة المفرطة التي يتعرض لها الاطفال سواء من ذويهم او معلميهم او مدرائهم في فيما بعد سيجعلهم اناس متسلطين يتسم سلوكهم في التعامل كالحقد والغيرة والرغبة في الانتقام حين يمسكون بزمام الامور.
كيف يمكن التصدي للمستلط؟
ما يجب ان نتعامل به مع مريض التسلط هو عدة استراتيجيات نذكر ابرزها:
- العلاج السلوكي المعرفي هو اول الحلول واكثرها نجاحاً في تقليل الرغبة التسلط وكبح جماحه عبر مواجهة الشخص المصاب بدائه ومصارحته له بدل الانصياع لأوامره.
- من الضروري تجاهله وعدم منحه الاهتمام والتقدير الذي يترجم بأن تقبل لما يقوم به ما يعزز هذا السلوك لديه وهذا التجاهل سيحول دون تحول السلوك الى مرض نفسي معقد.
- لابد من الابتعاد عن اخذ رأيه حتى في اصغر الامور وعدم الانصياع لأوامره الغير مشروعة وان كان بموقع المسؤولية علينا.
هذه المصدات التي نستخدمها في التصدي للمتسلط تعد الطريق المختصر السريع لأن يدرك الانسان المصاب بأنه غير مميز او مختلف عن الغير ليقوم بإدراك خطأه ويشرع بعلاج نفسه عبر الابتعاد عن التسلط وتصحيح سلوكيته المنحرفة.