أرى البهجة والحماس في وجوه معظم ـ إن لم أقل الجميع – التلاميذ وهم يتوجهون الى المدارس، بين سائل عن موعد تسليم الكتب، و متحري عن امتحانات الدور الثاني، وباحث عن التسجيل او النقل او مسائل تتعلق بالدراسة، وهذا ليس فقط هذه الايام، وإنما لاحظت هذه المشاهد العام الماضي وقبله، عندما كان التلاميذ الصغار على أبواب المدارس يبحثون عن المعلمين في ساعات الصباح الباكر، وقد سجلت لقطة من ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، متحدين تهديدات أمنية وأخرى صحية لمواصلة طلب العلم.
و كم اعتصرني الألم وأنا أرى الأمهات يسحبن البنات والأولاد الى البيوت، وهم بكامل ملابسهم الجميلة وشعرهم المصفف، وحقائبهم المدرسية، بعد الاصطدام بالابواب المغلقة للمدارس لاسباب مختلفة، وهذه أعِدَها نعمة عظيمة أن يوجد هذا الحماس والايمان بالعلم والمعرفة؛ لدى الاطفال ولدى الكبار في معظم الاحيان، وأن هؤلاء الاطفال سيكونون في المستقبل ذلك المهندس، وتلك الطبيبة، وذلك المحامي او الخبير الاقتصادي والعالم الكيمياوي.
التربويون فان مهمتهم لا تقلّ اهمية وحساسية من أولياء الأمور، لانهم لا يلقون دروساً نظرية وفق مناهج معدّة لهم سلفاً، ويتقاضون من اجلها راتباً شهرياً، وإنما يضخّون مفاهيماً انسانية وقيم اخلاقية ودينية
بموازاة هذا نلاحظ تفاعلاً وحماساً من نوع آخر، نحو مشروع تربوي رديف للمشروع التعليمي، يهتم بالسلوك والأخلاق والآداب، والمهارات الشخصية، والتنمية الفكرية، تضطلع به مؤسسات دينية وثقافية تتخذ من الجوامع والحسينيات الموقوفة مراكزاً لتنظيم دورات ودروس، تزيد وتتوسع في الوقت والبرامج حسب ظروف الطالب، ففي العطلة الصيفية تتسع النشاطات التربوية، ثم تتحدد خلال العام الدراسي لتكون في أيام الجمعة فقط، حتى لا تتقاطع مع دراسة التلاميذ وتحصيلهم العلمي، وفي نفس الوقت تزودهم بما يحتاجون اليه من التحصيل التربوي والأخلاقي.
وبالرغم من الاستجابة الخجولة للمشروع التربوي من أولياء الأمور، نجد استشعار الحاجة اليها في كل مكان يوجد فيه الطفل أو المراهق، او الشاب؛ في الاسواق، والشارع، والمدارس والجامعات والاماكن العامة.
والدور الأهم والأكبر لهذه المراكز التربوية مساعدتها على إنجاح المهمة التعليمية بتخريج الشباب في زي الطبيب والمهندس والمحامي، وهو يحمل صفات الصدق والأمانة والتواضع والعفو، الى جانب الأدب الرفيع، وهو ما نفتقر اليه بشدّة، ويشكو منه المجتمع، ويقرّ به الكادر التعليمي في المدارس والجامعات، بأنهم بالكاد يتمكنون من إتمام مهتمهم التعليمية وسط ظروف معقدة وصعبة، ليس أقلها “جائحة كورونا” وأزمات أمنية وأخرى اقتصادية.
وكما الثنائي؛ الأسرة والمدرسة، يحملان التلميذ والطالب بجناحيهما للنجاح، فان المشروع التربوي ايضاً بحاجة الى ثنائي من نوع آخر؛ الأسرة والمؤسسات الثقافية والدينية المعنية بهذا المشروع، وهذه المرة تشتد الحاجة لوجود الثنائي، وبقوة وتفاعل من الجانبين، فالمجتمع من جانبه هو الذي سوف يتسلّم الشاب الناضج علمياً ومعلوماتياً، فهو يحتاج الى النضوج الفكري والثقافي ليتسلّم الشاب وهو يحمل ثقافة المسؤولية الاجتماعية، وهمّ التغيير والإصلاح.
أما التربويون فان مهمتهم لا تقلّ اهمية وحساسية من أولياء الأمور، لانهم لا يلقون دروساً نظرية وفق مناهج معدّة لهم سلفاً، ويتقاضون من اجلها راتباً شهرياً، وإنما يضخّون مفاهيماً انسانية وقيم اخلاقية ودينية، وهم في ذلك يبذلون قصارى جهدهم، ويعطون عصارة مهاراتهم وقدراتهم الذهنية، ولا يتقاضون إزاءه أي مرتب شهري، بل هم مطالبون بالتطبيق العملي والنمذجة – إن صحّت العبارة – لتقديم مصاديق عملية للشباب لكل ما يتحدثون عنه من أخلاق وآداب وثقافة.
الناس في كل مكان ينجذبون الى الشباب الذين يحملون أكياس المواد الغذائية الى بيوت الفقراء، أو يتفقون مع المخابز والاسواق العائلية لتسهيل أمر تسوّق العوائل ذات الدخل المحدود، لاسيما في ظل جائحة كورونا، وفي شهر رمضان المبارك، وفي مناسبات اخرى، بيد أنهم لا يعرفون مصدر نشوء هذه الروح الكبيرة، وكيف يتحول الشاب الخجول الى خطيب مفوّه ينفذ الى القلوب، او يتحول الى كاتب متمكن يترك بصماته في ذهنية أقرانه من الشباب، فالأسرة تقوم بدورها التربوي بتنمية الاخلاق والآداب في نفسية الطفل، تبقى صياغة شخصية هذا الطفل ليخرج من إطار ذاته الى رحاب المجتمع، والتأثير على أقرانه، بل وجميع افراد المجتمع، تحتاج الى تخصص ومنهجية تضعها المؤسسة الدينية متمثلة بالحوزة العلمية.