في كربلاء كان هناك قرارين متناقضين، أحدهما ارتفع بصاحبه وجعله من العظماء، والآخر، اهبط بصاحبه وجعله من اللعناء على مر التاريخ.
الأول؛ قرار الخروج لمقاتلة الحسين، عليه السلام، فامتنع ورفض –بداية-، ولكن بعثوا له بأكياس الدراهم والدنانير، ومنوه بحكم الري، فهنا الامتحان الصعب والقرار الحاسم، وهنا تحديد المصير، فأخذ يفكر ويفكر، حتى أنشد يقول:
فوالله ما أدرى وإني لصادق * أفكر في أمرى على خطرين
أأترك ملك الري والري منيتي * أم أصبح مأثوما بقتل حسين
حسين ابن عمى والحوادث جمة * ولكن لي في الري قرة عيني
يقولون إن الله خالق جنة * ونار وتعذيب وغل يدين
فإن صدقوا مما يقولون إنني * أتوب إلى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة * وملك عقيم دائم الحجلين
وإن إله العرش يغفر زلتي * ولو كنت فيها أظلم الثقلين
ولكنها الدنيا بخير معجل * وما عاقل باع الوجود بدين
وهكذا؛ وبعد تفكير طويل اتخذ قراره الذي ارداه وجعله في أسفل سافلين، ومن الخاسرين في الدنيا والآخرة والملعونين إلى يوم الدين.
فيا ترى ماهو السبب الذي يجعل شخصاً مثل عمر بن سعد يقرر قرار يُرديه ويجعله من الهالكين؟
ثمة اسباب منها:
أولاً: الطمع في حطام الدنيا واتباع الهوى والشهوات.
ثانياً: قُصر النظر واضمحلال الرؤية وتقديم العاجل، دون النظر إلى التبعات.
ثالثاً: عدم الإيمان في الآخرة والشك فيها، وجعل الدنيا هي الغاية.
هذه العوامل التي دعت عمر بن سعد إلى اختيار القرار الخاطئ الذي جعله يخسر الدنيا والآخرة.
أما القرار الثاني؛ فكان لشخص جعجع بالإمام الحسين في البداية وكان في المعسكر المقابل، وكان على حافة الهاوية، ولكن في لحظات الخلوة مع النفس ومحاسبتها، استطاع أن يتخذ قرارا جعله من العظماء الذين يذكرهم التاريخ بالترحّم والفخر، ففي لحظات عتاب الضمير ومحاسبة النفس، رآه احد أصحابه وقد تغير لونه وصار يرتجف، فقال له يا حر! والله لو سُئلت عن اشجع فرسان أهل الكوفة لما عدوتك، فما بالي أراك على هذه الحالة؟
فأجابه؛ إني أُخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لن اختار على الجنة شيئا.
وهكذا اتخذ القرار المناسب وانطلق إلى معسكر الإمام الحسين، عليه السلام، طالبا التوبة، وقد تاب الله عليه، بفضل قراره الذي اتخذه في التغيير.
فما هي العوامل التي دعته إلى اتخاذ هذا القرار الذي جعله يربح الدنيا والآخرة ويرفع من مقامه؟
إنه العوامل هي عكس العوامل التي ذكرناها في القرار الأول تماماً وهي؛
أولاً: الترفع عن حطام الدنيا، والتجرد عن اتباع الهوى والشهوات، وتقديم الحق على الأهواء والشهوات.
ثانياً: بعد النظر ووضوح الرؤية، ومعرفة العواقب.
ثالثاً: الإيمان بالآخرة والاعتراف بها، وجعل الجنة هي الغاية.
هذه العوامل هي التي ساعدت الحر الرياحي على اختيار القرار الصائب والمناسب الذي ارتفع به من الحضيض إلى أعالي الدرجات و انقذه من السقوط.
و هذان الموقفان لنا درساً في أن نوفر هذه العوامل في انفسنا لتساعدنا على اتخاذ القرار الصائب في ساعة الامتحان الصعب.