لا يوجد انسان على وجه المعمورة يحتمي بصومعة تجعله بمأمن من الصدمات والنكبات الطارئة التي تعكر صفو حياته، وتقلّب مزاجه، و تؤثر سلباً في نفسيته رغماً عنه؛ شاء أم أبى.
فمن منّا لم يفقد أب، او أم، أو أخ، او صديق مقرّب، او زميل عمل، او آخر قريب؟ ومن منّا لم يفشل في الدراسة، او يفشل في مشروعه الاقتصادي الذي وضع فيه كل تعبه وتركيزه؟
ومن منا لم يقاسي ألم الفراق؟
إن القدرة على المواصلة بعد الانتكاسة والنهوض لبناء نفسه من دون ان يدخل في دوامة الاكتئاب هو ما يعرف بـ”المرونة النفسية”.
كلما ارتفع مستوى المرونة كلما زادت قدرة الفرد في الانجاز العال، فالأشخاص المرنون لا يتركون مجالاً للسلبية في حياتهم، ولا يدعوا الضغوطات تتحكم بهم
النجاح في التعاطي مع الازمات الطارئة مع انفسنا، ومع المحيط فنٌ يكتسبه الانسان من تجارب الحياة اليومية التي تمنح الانسان الصلابة اللازمة لدحر الهمّ والحزن واليأس والقنوط وكل انواع المصاعب والرزايا، باحثاً عن سترة نجاة تنقذه من القساوة النفسية التي تغرقه في دوامة اجترار مرارة العذاب، رافضاً استكمال العيش تحت وطئة القلق والتوتر.
الانسان المرن نفسياً يرى ان الصعوبات والازمات بمنزلة فرص تمكنه من التطور وتلقي الدروس في القدرة على التحمل والتكيف، ويعطي نفسه مسوغاً بأنه ليس الوحيد الذي يتعرض لنكبات، فيحوّل هذه الأحداث غير المُعتادة والمأساوية إلى أرضية خصبة تسمح له باستعادة القوى والجهود من اجل الوقوف بثبات بوجه العواصف عبر الاعتماد على تقنيات تطوير الذات وتقنيات حل المشكلات.
نحتاج الى من نفضفض له ما يؤلمنا ويهدد أمننا النفسي الداخلي، ومن مظاهر القوة ان ينظر الفرد المتعرّض الى أزمة على انه مكافح مقاتل شرس، لا ضحية خانعة ومتقبلة للخبرات غير المريحة
العلاقة بين تمتع الاشخاص بمرونة نفسية وبين امكانية التغيير والوصول الى الاهداف الفردية هي علاقة طردية، فكلما ارتفع مستوى المرونة كلما زادت قدرة الفرد في الانجاز العال، فالأشخاص المرنون لا يتركون مجالاً للسلبية في حياتهم، ولا يدعوا الضغوطات تتحكم بهم، وتنال من صمودهم وجلادتهم النفسية، فهم يقارعون الوجع كي لا يركنوا اليها، ومن ثمّ يمكن ان يعيق احراز أي تقدم او تحقيق أي هدف او مشروع.
من الذي يتمتع بمرونة نفسية أعلى؟
تكون المرونة النفسية أعلى عند الكبار من المراهقين والصغار اللذين لا يصمدون طويلاً بوجه المشاكل والازمات، فهي بمثابة اول اختبار نفسي لهم في بداية المواجهة مع مواقف الحياة المختلفة، حيث ان الخبرات المؤلمة التي يتلقاها الانسان في الطفولة والمراهقة تعود عليه بألم نفسي كبير، وبحزن شديد، وقد ينتج من تعرضهم لها فشل دراسي او نشوز سلوكي، والمرونة النفسية لا تنقذ الانسان من الضغط النفسي، او تمحو اثار المصاعب والكوارث لكنها تمحنه الطاقة اللازمة لمواجهة هذه المواقف بثبات، وايجاد حلول تمكننا من التغلّب على المحن والاستمرار، ومن هنا تأتي اهمية اكتساب او تمتع الفرد بالمرونة النفسية.
مميزات من يمتلك مرونة نفسية
اهم ما يميز الاشخاص اللذين يمتلكون مرونة نفسية هي:
- أنهم يعون الحالة او الازمة التي يتعرضون لها، وهو ما يمكنهم من السيطرة على ردات افعالهم مع بقائهم متمكنين من مشاعرهم وسلوكياتهم والتفكير بحلول بدلاً من التفكير بالهروب.
- يدركون ان النكبات جزء من حياتهم، فبدون الاسود لا يمكن للأبيض وحده الخروج بمعزوفة جميلة كما هو الحال في آلة البيانو.
- هؤلاء الاشخاص ايضاً يتمتعون بهدوء وعقلانية وحكمة في النظر الى النكبات وحالات الخطر في حين يفشل اقرانهم غير المتصفين بهذه الصفة في التركيز على حياتهم واكمالها.
- يمتع اصحاب المرونة النفسية بعلاقات اجتماعية جيدة حيث يمكنهم اللجوء الى علاقاتهم في حال اذا كانت الصدمة قوية وصعبة التحمل، فأحياناً نحتاج الى من نفضفض له ما يؤلمنا ويهدد أمننا النفسي الداخلي، ومن مظاهر القوة ان ينظر الفرد المتعرض الى أزمة على انه مكافح مقاتل شرس لا ضحية خانعة ومتقبلة للخبرات غير المريحة.
- لديهم القدرة على طلب النجدة من المختصين النفسيين، او متابعة مقاطع مسجلة على شبكة الانترنت تعني برفع مستوى الصلابة والمرونة النفسية، او قراءة كتب او مقالات او بحوث تعالج موضوعة عدم انهيارهم عند تعرضهم الى هذه التجارب.
مراحل الدفاع في السلوك المرن
السلوك المرن يمر بمراحل دفاعية عدة غايتها تغيير المسارات السلبية لما بعد الصدمة تأتي بشكل متسلسل أولها؛ رفض الاستسلام للصدمة، ومن ثم تأتي مرحلة التحدي، والحلم، والرغبة في تخطي المشكلة، وثالث المراحل؛ مرحلة الانكار الذي يعني خلق الفرد لذاته صورة قوية من أجل حماية النفس من الشفقة التي قد يوحي بها بعض الأشخاص المحيطين، ثم المرحلة الاخيرة؛ ايجاد حسّ الفكاهة والمزاح البسيط، وهو جزء من المكابرة والتظاهر بأننا أقوياء ومتقبلين للحياة بكل تقلباتها.
وصايا من اجل التمتع بالمرونة النفسية
النفسيون يوصون بمجموعة وصايا من اجل تأصيل المرونة النفسية بعد التعرض للازمات او الصدمات وهي:
- محاولة التركيز على نقاط قوتنا والتغاضي عن نقاط ضعفنا، وبذا نزيد من ثقتنا بانفسنا، ونتعافى من الاحداث المؤلمة التي تُلمّ بنا بأسرع وقت ممكن.
- ضرورة تكيّف انفسنا مع الاحداث، لان التكيف جزء اساسي من المرونة، وهو من يمنحنا قوة التحصين من الازمات.
- يُفضل أن نتجاهل سبب الصدمة، ونقنع انفسنا بأنه حدث عابر نستمد منه القوة والصلابة وليس العكس، ثم إن الاهتمام، او ممارسة الهوايات التي يميل اليها الفرد يعطيه طاقة للنسيان والتخطي.
- حريّ بنا ان نبني حولنا شبكة علاقات اجتماعية يمكننا اللجوء اليها في الشدائد والمحن، كل هذه الاستراتيجيات هي من تعبر بالفرد صوب الأمان والسلام النفسي الذي بدأ ينحسر يوم بعد اخر.