عندما كان مسلم بن عقيل نازلاً في دار هاني بن عروة وكان موجوداً أيضا شُريك بن الأعور، فجاءت لمسلم فرصة ذهبية لأن يقتل عبيد الله بن زياد خلال عيادته لشُريك في مرضه بدار هاني، وهكذا ينتصر وتستتب له الأمور، حيث بعث عبيد الله رسولاً يخبر هاني بأنه سيزوره في داره للاطمئنان على صحة شُريك، وقد طرح شريك خطة على مسلم لقتل ابن زياد، وذلك بأن يختفي مسلم في الداخل وتكون بينهم علامة فإذا صار الوقت المناسب يهجم على عبيد الله ويقضي عليه.
على المؤمن ان ينتبه الى الطريق الذي يسلكه والوسيلة التي يعمل.. لان الوسيلة جزء اساسي من الهدف الذي يسعى الى تحقيقه
فبينما هم يتكلمون بذلك إذ وصل ابن زياد، فدخل مسلم بن عقيل إلى الخزانة واختفى فيها، فجاء عبيد الله وجلس، فما كان من شريك إلا أن يبعث بالإشارات لمسلم علّه يأتي ويقضي عليه، فأخذ يتكلم بالالغاز ويقرأ الشعر، ولكن لم يخرج مسلم، حتى قام وخرج عبيدالله بن زياد، ولم يقتله مسلم، وعندما ذهب ابن زياد، خرج مسلم من الخزانة وسأله ابن الأعور لماذا لم تخرج وتقضي عليه؟!
فقال له مسلم؛ تذكرت قولاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: “الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن”.
فهكذا ضيع مسلم على نفسه فرصة ذهبية للقضاء على عدوه، فماهو السبب، ولماذا لم يفعل مسلم؟
السبب في ذلك هو ما قاله مسلم عن رسول الله: “الإيمان قيد الفتك” ذلك أن الإيمان يقيد المؤمن بقيود شرعية، حيث أنه لا يسمح له أن يصل إلى أهدافه عبر الوسائل غير المشروعة ولا يطلب النصر بالجور كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “اتأمرونني أن أطلب النصر بالجور” وقال أيضا: “ما ظفر من ظفر الإثم به” وكذلك “الغالب بالشر مغلوب”.
إن الغاية لا تبرر الوسيلة بل تحددها وتقيدها فإذا كانت الغاية سامية والهدف عظيم، لزم أن يكون الطريق إلى الوصول لتلك الغاية وذلك الهدف مناسباً وموافقاً للغاية
فإن الإيمان والدين يعلم اتباعه ويرشدهم إلى سلوك الطريق الصحيح والوسائل الشريفة للوصول إلى الأهداف المقدسة، فلا يسمح لهم ابداً في الإلتفاف على قيمهم ومبادئهم، ولا استخدام المكر والخديعة والغدر لتحقيق النصر والوصول إلى ما يريدونه.
فإن الغاية لا تبرر الوسيلة بل تحددها وتقيدها فإذا كانت الغاية سامية والهدف عظيم، لزم أن يكون الطريق إلى الوصول لتلك الغاية وذلك الهدف مناسباً وموافقاً للغاية.
فهنا أراد مسلم بن عقيل أن يبعث برسالة إلى المؤمنين أن لا تستعينوا على تحقيق غاياتكم بالغدر والمكر ولا تحاولوا الوصول إلى اهدافكم بطرق غير مشروعة، كأن تكون على حساب ظلم الناس وسلبهم حقوقهم، إذ أن ذلك ليس من صفات المؤمنين، بل صفات المنافقين الذين يحاولون الإلتفاف على الدين ولديهم الاستعداد لفعل اي شيء في سبيل الوصول إلى مصالحهم واهوائهم.
فمن كان مؤمناً لابد أن ينتبه إلى الطريق الذي يسلكه والوسيلة التي يعمل بها، هل هي مما يتوافق مع إيمانه ودينه وتتناسب مع أهدافه المقدسة وغاياته السامة.