كانت ترقص، وتُطرب، وتعرض ابتساماتها وانوثتها للشباب الافغاني في الصالات والملاعب وعلى شاشة التلفاز في ظل “الديمقراطية الاميركية” الهاربة من افغانستان، ولم تكتف بعنوان الغناء والاستعراض، بل وتقمّصت النشاط الثقافي لتكون “ناشطة”، وكاتبة بل وحقوقية تدعو الى حرية المرأة في أن تلبس ما تشاء خارج البيت.
إنها؛ أريانا سعيد -46عاماً- المرأة الافغانية التي غادرت بلادها وهي في التاسعة من العمر في بدايات الثمانينات لتنشأ و تترعرع في سويسرا ثم تعود الى بلدها بعد الإطاحة بنظام حكم طالبان عام 2001، لتجعل من الغناء منصّة للترويج لفكرة التحلل والتحرر، لاسيما للنساء الافغانيات من كل ما يلتزمن به من قيم وعادات وتقاليد.
كانت تفترض أنها تمثل وجدان وضمير الافغانيات، وتتحدث عما في قلوبهنّ، حتى نقلت الانباء أنها كانت تعتزم مؤخراً فتح مشروع لتصميم الملابس النسائية، دون توضيح طبيعة هذه الملابس، بل وكانت تتوقع أنها باقية في بلدها في ظل الرعاية الاميركية، وأن حديث الحشمة والعفّة والحجاب والالتزامات الدينية للمرأة في افغانستان أصبح من التاريخ ولا نصيب له من الحاضر ولا من المستقبل.
إنه طموح كبير وجريء أن تتوقع مغنية استعراضية بملابس مثيرة بأن تجد لنفسها مكاناً بين النسوة الافغانيات اللاتي يُعرفن بالتزامهنّ الشديد بالحجاب –في شريحة كبيرة منهنّ- بما يعني أن يكون صاحب هذا الطموح من الشجاعة والتحدي والصمود أن يفني حياته من اجل قضية كبرى هي تغيير جذري من هذا النوع، وربما تفوق شهرة النجاح في هذه المهمة بكثير جداً شهرتها العالمية كمطربة افغانية. ولكن!
تفاجأت وسائل الاعلام العالمية بهروب هذه المطربة الشهيرة، مع الآلاف باتجاه المطارات خوفاً من عقاب طالبان، وهي ترتدي العباءة الزرقاء مع النقاب الافغاني المعروف (المشبك)، بل واضافت حيلة أخرى لنجاح عملية الهروب باصطحاب شاب صغير مع خطيبها –حسب وصف وكالات الانباء- للتمويه على سيطرات طالبان بأنهم عائلة افغانية!
سبحان الله…! عرفت السفور في ظل الاميركان، ثم تنكّرت له في ظل طالبان، “فما عدا مما بدا”؟!
هل هو الخوف على النفس من العقاب او الانتقام؟
ولكن؛ لماذا؟!
ألم تعتقد وتؤمن بما كانت تدعو اليه بأنه الحق، وأن من حق المرأة الافغانية ان ترتدي ما تشاء خارج البيت؟ وأن إلزام المرأة بارتداء الحجاب او العباءة التي تستر بدنها أمرٌ خاطئ، وينطوي على اضطهاد وتعسف؟
لا نتوقع من أريانا وأمثالها في جميع بلادنا الاسلامية أن يضحين بأرواحهنّ العزيزة من أجل الإباحية والسفور، فهذا يبدو منافياً للعقل والفطرة معاً، ولكن نتوقع من جميع النسوة المنتميات الى بلادنا الاسلامية؛ سواءً الموجودات على أرض الوطن، أو ممن يفضلن العيش في الغرب، ويمارسن نشاطهنّ عن بُعد، أن يلتفتنّ الى الجذور الاجتماعية والثقافية لابناء جنسهنّ، وهنّ يرسلن الرسائل التغييرية بالغناء، والكتابة، و ورش العمل، أو اقتراح نمط من الملابس، او نمط من التعامل مع الزوج والأسرة، وكل ما يندرج في قائمة “الحرية الفردية”، فاذا كان ثمة تقاطع بين هذه الرسائل والدعوات، وهذه الجذور العميقة، فهذا يعني حصول الاصطدام، ومن ثم المواجهة والحرب الباردة كما نشهده في عديد بلادنا، او ما يطلق عليه بـ “الحرب الناعمة”، وبالمحصلة؛ لن يكون هنالك فرق كبير بين المطربة الناعمة والجميلة في ظاهرها، وبين الجندي المدجج بالسلاح والمتوثّب دوماً للقتال، فالاثنين في حالة حرب، مع الفارق في التضحيات، ففي الحالة الاولى؛ يُصاب الأب والأم، والاخلاق والآداب بسهام التشكيك والنكران، بينما في الحالة الثانية؛ يُصاب الناس في كل مكان بالرصاص، فيكونوا بين قتيل وجريح.
إنها نهاية مؤلمة وصادمة لكل من صفّق في الملاعب والحفلات الصاخبة طيلة السنوات الماضية في هذا البلد المسكون بالحروب الأهلية، فقد صدمته اليقظة من حلم وردي جميل على أثر اصوات الرصاص، وتردد اسم طالبان في الشوارع، وهو بحد ذاته مدعاة للفزع والموت حتى، ولا يدري هؤلاء ما اذا كان الواقع اليوم جزءاً من حلم، أم هو الواقع المُر الذي سكبه الاميركان في أفواه الشباب والشابات طيلة عشرين عاماً، وها هم (الاميركان) يغادرون بجنودهم، ومؤسساتهم الثقافية، ودوراتهم التنموية، على حين غرّة، حتى أن هذه المطربة (المرأة الافغانية) عجزت في اللحظات الاخيرة قبل التخلّص من الاراضي الافغانية والصعود الى الطائرة الاميركية، من أن تتخذ قراراً انسانياً بتلبية طلب امرأة افغانية فقدت زوجها بين جموع الهاربين والمتشبثين بالطائرات، بأن تأخذ معها طفلتها، كما أفصحت هي عن ذلك لـ (بي بي سي)، ولم تنقل المصادر الخبرية فيما بعد أنها غادرة الى قطر ثم تركيا ومنها الى اميركا ومعها طفلة صغيرة، وإنما قرأنا أن المطربة العالمية الشهيرة (الافغانية) وصلت اميركا مع خطيبها بسلام!