الحب الالهي أسرع السفن في الوصول الى شاطئ الكمال وهو المتجسّد في سفينة الحسين، عليه السلام، حيث قال رسول اللّه، صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الحسين مصباحُ الهُدى وسفينة النجاة”.( بحار الأنوار ج 36 / ص 205 )، ولقد مثّلت واقعة الطف أروع صور التضحية والفداء والصبر والثبات منذ خلق الله سبحانه وتعالى نبينا آدم، عليه السلام، الى قيام القائم عجل الله ـ تعالى ـ فرجه الشريف.
فواقعة الطف جمعت خطوب الدهر والايام من جهة وكيفية الاستقرار في ساحة الحق ونصرته على مدى التاريخ من جهة أخرى، وخلودها يعزى الى إشارة ذهبية صرّح بها الامام الحسين بن علي، عليه السلام، وصمّ عن سماعها من ملئ الحرام بطونهم فعمى ابصارهم وعقولهم وأبى ان يفهمها من كان الرّي منيته، فلعنة الله عليهم الى يوم القيامة ، حيث جاء بلسان الحال لا المقال :
الهي تركت الخلق طرا في هواك
وايتمت العيال لكي اراك
فلو قطعتني بالحب أربا
لما مال الفؤاد الى سواك
هذا الحُب الالهي الذي يجعل نفس الحسين، عليه السلام، مطمئنة ، راضية ومرضية في ساعات الاضطراب آنذاك وهو الذي يُهوّن كل شيء في سبيل تحقيق الغاية حتى انه ـ عليه السلام ـ قال حينما رمى بدم الرضيع الى السماء : “هوَّن مانزل بي انه بعين الله”.
هذه المصائب العظيمة التي لم تنزل على بشر قط كما نزلت على آل بيت رسول الله كما ورد في زيارة عاشوراء : “مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الاسلام”، تراها العين المُحبّة لله العاشقة لصفات الله وافعاله : “مارأيتُ الا جميلا” .
هذه العبارات التي ألقتها مولاتنا زينب، عليها السلام، في بحر الغفلة والظلم والظلام المتمثّلة برأس الشرك والنفاق والعصيان ، ابن زياد عليه لعائن الله ، فيتردّد صداها وأمواجها زمن بعد زمن وجيلا بعد جيل.
فالبلاء سنّة الهية تمرّ على الانسان، لكن يبقى الاختلاف في درجة تحمّله والرضا بقضاء الله وقدره وهو يتناسب طرديا مع مقدار ما يغترفه المرء من بحر الحبّ الالهي الذي أُغرِقت به صحراء نينوى، يوم فاض نحر الحسين ليسقي الناس عطفاً ورحمةً وسلاما.
فسلام على الدماء السائلات.