نسمع كثيراً في مجتمعاتنا عن أزمات عاطفية قد تودي بحياة الكثيرين إما جسدياً أو نفسياً بسبب العلاقات الوهمية، وخاصة بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تغزوا بيوتنا وتدخلها بشكل واسع وكبير، كما وأصبح الدخول في علاقات عاطفية مبكراً جداً، وللأسف الخاسر الأكبر في الأعم الأغلب هي الأنثى .
لذلك كان علينا بيان معنى الحب في إسلامنا ومذهبنا، لنجعله مقياساً لنا ينير لنا علاقاتنا ونعرفَ الهدف منه.
ولماذا هو موجود؟
وماهو معناه الحقيقي؟
والى ماذا يوصلنا؟
والكثير الكثير من التساؤلات التي في أذهاننا كأشخاص واعيين ومسؤولين .
قال الإمام الباقر، عليه السلام: “الدين هو الحب، والحب هو الدين”. فالدين لايقف بوجه الحب بل يدعو إليه ويؤكد عليه بشدة.
إلا أن كل حب يُشغف به الإنسان أو يتعلق به تجاه شخص آخر، يجب أن يكون في طول حب الله وليس في عرضه، أي بمعنى أن يكون هذا الحب بالأساس لله ـ سبحانه ـ، وأن يكون حب الله هو الأقوى والأمتن ولايتعارض حبه مع حب آخر أو يوازيه.
قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .
ماهو الحب؟
الحب هو انجذابُ قلبِ المحب لكمال يراه في المحبوب، فالهدف من الحبِّ هو الوصول للكمال، وكل علاقة صحيحة يكون فيها نوعٌ من التكامل وبناء الذات، أما العلاقات المشبوهة فهي على عكس ذلك بالضبط تهبطُ بالإنسان إلى مراتب دونية ليس لها أيُّ علاقة بالتكامل .
ومن هنا لابدَّ لنا أن نشير إلى أنواع العلاقات، فهناك ثلاثة علاقات أساسية:
1- حبُّ الانسان لنفسه: وليس المقصود من ذلك ما يتبادر إلى الذهن من معنى نبَذَهُ الاسلام، بما فيه من تعظيمٍ للذات وغرورٍ وعدم رؤيةٍ للأخطاء، بل يُقصَدُ به تقدير الذات ومعرفة امكانياتها، واحترامها، وعدم إهانتها واللطف معها، وتقبُّلها بمافيها من أخطاء وعيوب، فنحن بشر ولسنا بكاملين مع محاولة إصلاحها بشكل دائم ومستمر.
2- حبُّ الله عزوجل ونبيه وأهل بيته الكرام : الله عزوجل هو الكمال المطلق، فالانجذاب القلبي الأول ينبغي أن يكون له ـ عزوجل ـ فالكمالات والنعم كلها منه ـ تعالى ـ لذلك حبُّه ـ تعالى ـ باقٍ لاينفد.
يقول الله ـ عز وجل ـ في الحديث القدسي : “إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي جعلت بغيته ولذته في ذكري فإذا جعلت بغيته ولذته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا سها الناس”.
وخير قدوة لنا الإمام الحسين، عليه السلام، فهو يظهر أعلى مراتب الحب والإخلاص في دعائه فيقول : “أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحباءك حتى لم يحبوا سواك ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك ؟ لقد خاب من رضي دونك بدلا .”
فلابدَّ لنا أن نصلح علاقتنا مع الله حتى تصلح علاقاتنا مع الناس، وفي هذا قال الإمام الحسين، عليه السلام: “مَن أصلح ما بينه وبين الله سبحانه أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظاً كان عليه من الله حافظ .”
فالله ـ عزوجل ـ هو الغني الذي ليس كعطاءه عطاء، ولامحدودية للطفه أو رعايته فهو أحنُّ على الطفل من أمه كما يقول بعض العرفاء.
وورد عن سيد الساجدين، عليه السلام، يعبِّر فيها عن محبته لله تعالى : “وعزَّتك لقدْ أحببتكَ محبةً استقرتْ في قلبي حلاوَتها، وأنِسَتْ نفسي ببشارَتها ومُحالٌ في عدل أقضيتك أن تسدَّ أسبابَ رحمَتك ورحمتك عن معتقدي محبتك”.
علامات حبِّ الله
ونرى أنَّ لحبِّ الله علامات تظهر على كل من عاش شعور الحب معه عزوجل، منها :
- كثرة ذكر الله : عن النبي، صلى الله عليه وآله قال: “علامة حب الله حب ذكره وعلامة بغض الله بغض ذكره” .
- اتباع الرسول: يقول تعالى: {قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (آل عمران /٣١).
يقول الله ـ عز وجل ـ في الحديث القدسي : “إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي جعلت بغيته ولذته في ذكري فإذا جعلت بغيته ولذته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا سها الناس
- الخلوة مع الحبيب
وذلك بقلّة النوم ليلاً؛ وصلاة الليل، والمناجاة والناس نيام، فعن أبي عبد الله، عليه السلام قال: “كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران، عليه السلام، أن قال له : يا بن عمران كذب من زعم أنَّه يحبني فإذا جنَّه الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة حبيبه” .
- محبة بعض خلقه له: فعن النبي، صلى الله عليه وآله: “إذا أحب الله عبداً من أمتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته وسكان عرشه محبته ليحبوه فذلك المحب حقاً ” .
أمَّا عن محبتنا لأهل البيت (ع) فلها أسباب كثيرة منها :
- هم أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي أمرنا الرسول بحبهم:{قل لاأسألكم عليه أجراً إلاَّ المودة في القربى}. وبحبّهم، عليهم السلام، قربة لوجه الله ننال سعادة الدارين والقرب من منازل الصالحين، قال الاِمام الحسين، عليه السلام: “من أحبّنا للدنيا، فإنّ صاحب الدنيا يحبّه البر والفاجر، ومن أحبنا لله كنّا نحن وهو يوم القيامة كهاتين”. وقرن بين سبابتيه .
- هم حبل الله المدود بين السماء والأرض فمن دونهم يصعب اتصالنا بإرادة الخالق ـ عزوجل ـ.
ومن أحد آراء العرفانيين أن قدرة وعطاء الله واسع والإنسان وعاؤه صغير لايقدر على تحمل عطاء الله بشكل مباشر بل يحتاج الى واسطة وهي محمد وآل محمد.
عن جابر بن عبد الله قال: “قلت لرسول الله، صلى الله عليه وآله: أول شئ خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير”.
- إن حبهم يمثل حب الله والقيم الربانية والكمالات الإلهية، وهو يسمو بالمؤمن إلى مدارج الكمال التي يريدها الله: {والذين آمنوا أشد حبا لله}، وقال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “أوثق عرى الاِيمان الحبّ والبغض في الله “.
قال رسول الله، صلى الله عليه وآله، مخاطباً أمير المؤمنين، عليه السلام: “من أحبّ أن يتمسك بالعروة الوثقى، فليتمسك بحبّ علي وأهل بيتي”.
- حبهم عليهم السلام يضمن لنا سلامة الطريق فهم الصراط المستقيم، وهم النبع الصافي والمصدر الآمن لأحكام الله ـ عزوجل ـ، ففي زمن الأئمة الأطهار، عليهم السلام، كان الناس يسألون عن الأحكام الشرعية بعد أن يختلفوا فيها، وكان أهل البيت يجيبونهم: “ارجعوا إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله”.
- من أطاعهم فقد أطاع الله نعبر لهم عن حبنا من خلال الطاعة، فالله – تعالى – قرن طاعته بطاعة الرسول، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته. {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقد فَازَ فَوزَاً عظيماً}.(الاحزاب /71) .
- من أحبهم يضمن اطمئنان و طهارة القلب: قال الإمام الباقر، عليه السلام: “لا يحبّنا عبد ويتولانا حتى يطهّر الله قلبه، ولا يطهّر الله قلب عبدٍ حتى يسلّم لنا ويكون سِلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الاَكبر”.
- من يحبُّهم يُرزَق الحكمة: قال الإمام الصادق، عليه السلام:”من أحبنا أهل البيت وحقّق حبنا في قلبه جرت ينابيع الحكمة على لسانه وجدّد الايمان في قلبه”.
- الاغتباط عند الموت والشفاعة يوم القيامة ونور يوم القيامة: قال أمير المؤمنين، عليه السلام، للحارث الأعور: “لينفعنّك حبنا عند ثلاث: عند نزول ملك الموت وعند مساءلتك في قبرك وعند موقفك بين يدي الله “.
قال، صلى الله عليه وآله: “الزموا مودتنا أهل البيت، فإنّه من لقي الله يوم القيامة وهو يَودّنا دخل الجنة بشفاعتنا”.
وقال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “أكثركم نوراً يوم القيامة أكثركم حباً لآل محمد “.
- دخول الجنة والحشر مع النبي:
عن أمير المؤمنين، عليه السلام، قال: “إنّ رسول الله، صلى الله عليه وآله، أخذ بيد الحسن والحسين، فقال : من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأُمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة .”
وقال الاِمام الصادق، عليه السلام: “والله لا يموت عبدٌ يحبّ الله ورسوله ويتولى الأئمة فتمسّه النار .”
٣- حبُّه للآخرين سواء كانوا أرحام أم أصدقاء أو زملاء عمل، وأعظمهم حبُّ المؤمن لصديقه المؤمن في الله .
جاء في حديث عن الإمام الصادق، عليه السلام، يستدلّ به على الدين من خلال حبّ الإخوان، فعن سماعة بن مهران : قال لي أبو عبد الله، عليه السلام: “يا سماعة، كيف حبّك لإخوانك؟ قلت: جعلت فداك، والله إنّي أحبّهم وأودّهم، قال: يا سماعة، إذا رأيت الرجل شديد الحبّ لإخوانه، فهكذا هو في دينه .”
وقال أيضاً : “إنّ المتحابّين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوههم ونور أجسامهم، ونور منابرهم كلّ شيء حتّى يعرفوا، فيُقال : هؤلاء المتحابّون في الله .”
كما وجاء في حديث المعراج : “يا محمد وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، ووجبت محبتي للمتعاطفين في، ووجبت محبتي للمتواصلين في، ووجبت محبتي للمتوكلين علي، وليس لمحبتي علم ولا غاية ولا نهاية، وكلما رفعت لهم علماً وضعت لهم علماً”.
وكثيرة هي الأمثلة عن حب المؤمن للمؤمن في الله، كأصحاب الحسين، عليه السلام، الذين لم يقبلوا أن يتركوه وحيداً في يوم عاشوراء مع أنه قد أحلَّهم من ذلك، قال مخاطباً لهم: “هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً.”
فكان جوابهم: فما يقول الناس؟ يقولون: إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك”.
من يحبُّهم يُرزَق الحكمة: قال الإمام الصادق، عليه السلام:”من أحبنا أهل البيت وحقّق حبنا في قلبه جرت ينابيع الحكمة على لسانه وجدّد الايمان في قلبه
فكانوا هم الأصحاب الخلَّص له عليه السلام، فهم من قال فيهم، عليه السلام: “أمّا بعد فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عنّي جميعاً خيراً”. وقصة ميثم التمار مع أمير المؤمنين، عليه السلام، وقصة ابنة حاتم الطائي… وغيرها.
نرى أن الأصل في نظرة الإسلام نظرة ايجابية إلى الإنسان كونه من عيال الله، وللكمالات الإنسانيّة التي فيه، والتي ينجذب إليها قلب العارف بها، وهذه النظرة الإيجابيّة تساعد المؤمن الواعي أن ينطلق منها ليعزِّز الكمالات الإنسانيّة والإيمانيّة في المجتمع الإنساني، ليكون لائقًا أن يكون خليفة الله في الأرض.
الحب ليس فقط علاقة بين رجل وأنثى.
الحب دعاء أمٍّ في جوف الليل لابنها الذي على السواتر.
الحب مسيرة عشق نحو الحسين، عليه السلام، بدون احساس بالتعب.
الحب تربيتُ على رأس طفلة يتيمة وقبلة على وجنتيها.
الحب أوسع دائرة مما أرانا اياه الغربيون ووسائل التواصل الاجتماعي .