أنا حرّ؛ لا أريد الالتزام بطاعة أحد، أو طاعة كتاب، أو اتباع برنامج يُرسَم لي.
أنا إنسان مستقل ولي شخصيتي، فلماذا عليَّ أن أطيع غيري؟
لماذا تطالبونني أن أعيش خارج إطار حريتي؟
لماذا تفرضون عليَّ اتّباع الآخرين؟
هذه عبارات قد تسمعها هنا وهناك، خاصة في المجال الافتراضي وعبر شبكات الانترنت، يتظاهر البعض أنه (حُرّ) ويريد الحفاظ على (حريّته) ويرى أن طاعة الدين او رموز الدين هو تقليل من شخصيته وكرامته.
ولو تفكرتَ قليلا في حياة هؤلاء، بل في حياة كل الناس ممن مضى، ومن هم يعيشون الآن، ومن يأتي في المستقبل في حياتي وحياتك، لتوصلت الى حقيقة صارخة تكذِّب الأقاويل والمزاعم السالفة.
الحقيقة تقول: ليس هناك أحد من البشر، نعم نقولها بضرس قاطع: لا أحد من البشر – ممن مضى ويأتي – متحرر من الطاعة والاتِّباع، ومن يزعم خلاف ذلك فهو يكذب؛ نعم بصراحة: يكذب. فالكل يطيعون ويتّبعون الغير، ولكن المُطاع والمتبوع يختلف بين هذا وذاك.
الانسان لا تقوم حياته بغير الطاعة، ذلك لأنه مخلوق حيوي اجتماعي نابض بالحركة، يرتبط بالآخرين من البشر وغير البشر، ويتعاطى ويتعامل معهم، وقد يتفق معهم أو يختلف، له حاجات ومتطلبات لا يستطيع أن يقضيها جميعها بنفسه، بل هو بحاجة الى غيره من المخلوقات.
وكل هذا التعامل، والتعاطي، والتضارب، والتلاقح بحاجة الى نظام وقانون وإطار، ولا يستطيع الانسان نفسه أن يضع لنفسه النظام المتكامل، والإطار السليم، والقانون الشامل الذي ينظم كل هذه الامور في حياته.
قد يضع الانسان لنفسه ومجتمعه قانوناً وإطاراً ونظاماً، ولكنه ناقص، ومعيب، ومحدود، لذلك ترى التناقض والتضاد بين القوانين والنظم البشرية، ولذلك ترى الإنسان نفسه يضع قانوناً اليوم ثم يغيره غداً، أو ينقضه تماماً.
نعود لنقول: نعم، الكل في هذا العالم يطيع، ولكن مَنْ المُطاع؟
هناك من يطيع بشراً مثله، لأنه أوتي قدراً أكثر من العلم، أو من القوة السياسية، أو من الثروة والمال، أو بعض ذلك مع الإعلام.
هناك من يطيع الخرافات والاساطير الموروثة، أو التي يختلقها هو بفكره القاصر.
هناك من يطيع الشياطين، من الانس أو الجن.
هناك من يطيع أهواء نفسه، وما تشتهيه غرائزه وشهواته وتمنياته.
هناك من يطيع الآباء؛ وإن كان آباؤه لا يهتدون الى سواء السبيل.
إذن، فمن يزعم أنه لا يطيع، هو كاذب في زعمه. بل حتى في ادعائه (عدم الطاعة) هو يطيع هوى نفسه الأمّارة بالسوء، ويطيع شيطانه الذي يغويه.
ولكي لا نسقط في هذه الطاعات الخاسرة علينا أن نعود لكتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل، وفيه تفصيل كل شيء.
وبوضوح نلاحظ في آيات الكتاب أنَّ كل الأنبياء كانوا يدعون البشر الى اجتناب الطاعات الخاسرة، اجتناب طاعة الشيطان، والطاغوت، والآباء، والأهواء، وكانوا يدعونه الى التوجه لطاعة الله وانبيائه وكتبه.
فما دام الانسان مجبولا على الطاعة – شاءَ أم أبي – فلماذا لا يختار جهة كاملة نزيهة ومحيطة بكل تفاصيل الخليقة ويطيعها ويتبع برنامجها المنزل للانسان؟
أنا مخلوق، فلماذا لا أطيع الخالق؟ الخالق الذي يريد مصلحتي وهو أعرف مني بها، لماذا لا أطيع مبعوث هذا الخالق وهو النبي المرسَل من قبل الله؟ لماذا اطيع كل من هبّ ودب من القادة، والامراء، والملوك، والرؤساء، رغم ما فيهم من نقاط الضعف، والفسق، والانحراف، والظلم، ولا أطيع (اولي الأمر) الذين أمر الله بطاعتهم؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
وإطاعة الله تعالى تتجسَّد في اتباع كتابه، وطاعة رسوله المبعوث من قبله والمرتبط به عن طريق الوحي، وبعد الرسول، فمن نطيع الى جانب الكتاب؟ تقول الآية الكريمة: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
بعضهم يفسر (أُولِي الْأَمْرِ) بكل أمير وقائد وملك ورئيس، براً كان أو فاجراً.
وهذا تفسير غريب جداً. إذ يتناقض مع الأمر بطاعة الله والرسول، كيف؟
هذا ما نبحثه في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى.