يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَ مَتِّعْنِي بِالاقْتِصَادِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ السَّدَادِ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الرَّشَادِ، وَمِنْ صَالِحِ الْعِبَادِ، وَارْزُقْنِي فَوْزَ الْمَعَادِ، وَ سلامَةَ الْمِرْصَادِ“.
أول موضوع تتكلم عنه هذه الفقرة، هو الاقتصاد، وليس المقصود به الاقتصاد المالي فقط، فهناك الاقتصاد في المشي، وهناك الاقتصاد في بقية أمور الحياة، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ حينما يمدح المؤمنين، يقول في حقهم: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}.
- لماذا يجب ان نعيش بتوازن؟
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، في صفات المتقين: “ملبسهم الاقتصاد”، فحياتهم قائمة على موازين، فلا افراط ولا تفريط، فلماذا الإمام السجاد، عليه السلام، لم يقل (وارزقني الاقتصاد) بل قال: “مَتِّعْنِي بِالاقْتِصَادِ”؟
لأن سنة الله في التمتع بهذه الحياة تكون للانسان المقتصد، فذلك الذي يصبح لديه إفراط لا يتمتع بالحياة، فالذي يأكل الى حد التخمة، لا يجد أي متعة أو لذة في ذلك الأكل، او على النقيض من ذلك، وهو الذي لا يأكل شيئا، حتى ترى وجهه مصفرا، وهذا ايضا لا يتمتع بالحياة، وهذه هي سنّة الحياة في كل شيء، في المشي، والكلام، والعلاقات مع الناس، والى غيرها من شؤون الحياة المختلفة.
فالعلاقات مع الناس ـ مثلا ـ لا بد وان تكون ضمن موازين، يقول الإمام علي، عليه السلام: “أحبب حبيبك هونا، عسى ان يكون عدوك يوما”، وابغض عدوك هونا عسى ان يكون حبيبك يوما”، فليس من الصحيح أن يكشف الإنسان اسراره كلها لصديقه، وما نشاهده من حالات الابتزاز الالكتروني مثال بسيط على ذلك، فتأتي الفتاة، وترسل صورها الخاصة؛ في المقابل فإن العدو يمكن ان يصبح في يوم من الايام صديق، فالمبالغة بالعداوة ليست ضمن موازين العلاقات.
عندما نستيقظ في صباح كل يوم، فإن الله ـ تعالى ـ قد كتب لنا حياة جديدة، “كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون”، فاليوم الجديد، وهو عمر جديد، وهو استجابة لـ{رَبِّ ارْجِعُونِ}
“وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ السَّدَادِ”، هناك أناس مسددون، فكلامه دقيقا، وأعماله مسدّدة، على العكس من البعض، فأين ما يضع يده يحل الخراب.
“وَمِنْ أَدِلَّةِ الرَّشَادِ”، هناك يتكلمون من خلال افعالهم التي هي دليل لرشاد الناس، فلا يحتاجون الى الكلام باللسان، فهم قدوة بسلوكهم، والإنسان الساعي لاكتساب الفضائل الأخلاقية الحسنة، إنما يقتدي بأفعالهم ليكون مثلهم، وهؤلاء هم ادلة الرشاد، فأين ما كانت طريقهم لا يمكن ان يضلوا؛ يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “يا عمار إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليّ ودع الناس”.
- ما هو معيار الصلاح؟
“وَمِنْ صَالِحِ الْعِبَادِ”، نقرأ في سورة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، الذي يؤدي الى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، وفي التشهد نقرأ: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، وكأننا دخلنا مع هؤلاء الصالحين، فكما أنهم كانوا الدنيا تجمع أو تكتل، كذلك في الآخرة يكونون تجمعا واحدا، يقول الله ـ تعالى ـ: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
ولذا فإن من الادعية المهمة ان يدعو الإنسان ان يبقى في كينونة هؤلاء، وذلك من التوفيق ان يكون الفرد ضمن الجماعة الصالحة، في المقابل ترى الكثير يُسلب هذا التوفيق ويكون خارج هذه الدائرة الإيمانية. ولذا يتوجب على المؤمن الذي حضي بالانتماء الى التجمع الايماني ان يشكر الله، على النعمة التي حباه الله بها، وان يدعو بالثبات على ذلك الطريق.
فإذا توفرت هذه الامور الأربعة التي ذكرها الإمام زين العابدين، عليه السلام، تكون النتيجة: “وارزقني فوز المعاد”، حين سأل أحدهم سلمان المحمدي ـ رضوان الله عليه ـ: لحيتك خير أم ذيل الكلب؟، فأجابه سلمان: “إن جاوزت لحيتي الصراط فهي أفضل وإلا فذيل الكلب”.، الفوز الحقيقي فوز الآخرة.
- ماذا أعددنا للآخرة؟
يقول احد المراجع العظام: “كلنا نحب انفسنا، ولاننا نحبها، نـأكل، ونلبس، ونبني البيوت، ونشتري السيارة الى غيرها من متطلبات الحياة، وهذا الطريق خطأ، فمن يحب نفسه يبني نفسه، ويفكر بالآخرة، وكيف ينجيها من نار جهنم، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً}، فالذي يحب نفسه في الدنيا، ثم يدخل جهنم في الآخرة، فإنه لا قيمة لهذه النفس”.
سنة الله في التمتع بهذه الحياة تكون للانسان المقتصد، فذلك الذي يصبح لديه إفراط لا يتمتع بالحياة، فالذي يأكل الى حد التخمة، لا يجد أي متعة أو لذة في ذلك الأكل
يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزّاد، فإنّ أمامكم عقبة كؤودا، و منازل مخوفة مهولة”، فيوم القيامة خمسين موقف كل موقف ألف سنة، هذا هو يوم المعاد، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} انما هو ذلك الفوز الحقيقي في عالم الآخرة. يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام، في دعاء أبي حمزة الثمالي: ” وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الايِسِينَ مِنْ خَيْرِي فَمَنْ يَكُونُ أَسْوَاءَ حالاً مِنِّي اِنْ أَنا نُقِلْتُ عَلى مِثْلِ حالِي إِلى قَبْرِ لَمْ اُمَهِّدْهُ لِرَقْدَتِي وَلَمْ أَفْرُشْهُ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ لِضَجْعَتِي ، وَمالِي لا أَبْكِي وَلا أَدْرِي إِلى مايَكُونُ مَصِيرِي وَأَرى نَفْسِي تُخادِعُنِي وَأَيَّامِي تُخاتِلُنِي ، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأْسِي أَجْنِحَةُ المَوْتِ ، فَما لي لا أَبْكِي أَبْكِي لِخُرُوجِ نَفْسِي أَبْكِي لِظُلْمَةِ قَبْرِي أَبْكِي لِضِيقِ لَحْدِي أَبْكِي لِسُؤالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ إِيايَ أَبْكِي لِخُرُوجِي مِنْ قَبْرِي عُرْياناً ذَلِيلاً حامِلاً ثِقْلِي عَلى ظَهْرِي ، أَنْظُرُ مَرَّةً عَنْ يَمِينِي وَاُخْرى عَنْ شَمالِي إِذِ الخَلائِقُ فِي شَأْنٍ غَيْرِ شَأْنِي لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ”. ولذا على الإنسان المؤمن أن يفتح حسابا لذلك اليوم.
عندما نستيقظ في صباح كل يوم، فإن الله ـ تعالى ـ قد كتب لنا حياة جديدة، “كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون”، فاليوم الجديد، وهو عمر جديد، وهو استجابة لـ {رَبِّ ارْجِعُونِ}.
“وسلامة المرصاد”،عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} سئل عن ذلك رسول الله، صلى الله عليه وآله فقال : “أخبرني الروح الامين أن الله لا إله غيره إذا برزالخلائق وجمع الاولين والآخرين أتى بجهنم تقاد بألف زمام يقودها مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد لها هدة وغضب وزفير وشهيق ، وإنها لتزفر الزفرة ، فلولا أن الله عزوجل أخرهم للحساب لاهلكت الجمع، ثم يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، فماخلق الله عزوجل عبدا من عباده ملكا ولا نبيا إلا ينادي : رب نفسي نفسي ، وأنت يانبي الله تنادي: امتي امتي ثم يوضع عليها الصراط أدق من الشعرة، وأحد من السيف، عليها ثلاث قناطر فأما واحدة فعليها الامانة والرحم، وأماثانيها فعليها الصلاة، وأما الثالثة فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون الممر عليها فتحبسهم الرحم والامانة، فإن نجوامنها حبستهم الصلاة، فإن نجوامنها كان المنتهى إلى رب العالمين عزوجل، وهو قوله تبارك وتعالى : {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.