يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ وَأَنْطِقْنِي بِالْهُدَى، وَأَلْهِمْنِي التَّقْوَى، وَوَفِّقْنِي لِلَّتِي هِيَ أَزْكَى، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَرْضَى. اللَّهُمَّ اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَةَ الْمُثْلَى، وَاجْعَلْنِي عَلَى مِلَّتِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا”
هناك من الناس من لا ينطق إلا بالهدى في مقابل الضلال، والهدى هو: مجموعة المبادئ التي يؤمن بها الإنسان، والتي يسير من خلالها الى الجنة. ولذا فالهدى الذي لا يؤدي الى الجنة ليس بهدى.
نجد العلماء وبعض الناس كلامهم كله هدى، فينطق بالقرآن الكريم، ورايات أهل البيت، عليهم السلام، بينما نجد البعض الآخر كلامهم غير موزون، فأحيانا ـ أمثال الصنف الثاني ـ تجد اليوم يشكر شاعرا ينطق بالكفر، وغداً تراه يمدح شاعرا ينطق الإيمان. بينما المؤمن يملك صراطا مستقيما.
كانت لدى السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، خادمة تسمى فضة، وكان لدى فضة بنت ـ حسب بعض النصوص ـ تسمى مسكة، وهذه ـ مسكة ـ كانت ـ كإمها فضة ـ لا تنطق إلا بالقرآن الكريم.
في أحد الأيام كانت ضمن قافلة الى مكة، فضيعت القافلة والطريق، فجاء احدهم يتكلم معها، وكل ما سألها، كانت لا تجيب إلا من خلال الآيات القرآنية، وكم هو قدر رفيع للإنسان ان يصل الى مرحلة ان يجيب عن الأسئلة بآيات قرآنية.
لماذا قدّم الإمام عليه السلام: “وَأَنْطِقْنِي بِالْهُدَى على جملة “وَأَلْهِمْنِي التَّقْوَى”؟ فلماذا النطق بالنسبة للهدى، والالهام للتقوى؟
التقوى: مجموعة المبادئ التي على الإنسان الالتزام بها، بينما الهدى هو: مجموعة المبادئ التي يؤمن بها، فمن يؤمن بها سينطق بها، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}.
التقوى ليس كلاما، وانما هي التزام، ولذلك قال” وَأَلْهِمْنِي التَّقْوَى”، فعندما نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، هل نحن ضالين؟
نحن نقول: بعد {وَلا الضَّالِّينَ}، الحمد لله رب العالمين، الذي جلعنا على الصراط المستقيم، وهي ولاية، علي بن أبي طالب، عليه السلام.
“وَوَفِّقْنِي لِلَّتِي هِيَ أَزْكَى”، تنقسم الاعمال الى قسمين:
ـ اعمال زاكية.
ـ اعمال طالحة.
فبالنسبة الى الاعمال الزاكية، هناك أعمال أزكى منها، كالعطور، هناك عطر طيب، وهنا أطيب، واكثر انتشارا وفائدة.
هذه الصلاة التي نصليها، وهي عمل حسن، هناك صلاة زاكية، وهناك أزكى، ففيها ـ الصلاة ـ ثلاثة آلاف مستحب؛ فكم مستحب نأتي بها؟
“وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَرْضَى” نحن مستَعملين في هذه الارض، فلا يوجد أحد إلا وهو يعمل؛ الكل يعمل، فالتجار، والنجار، والمؤمن ..، إذا كان الكل يعمل في الدنيا، يأتي الدعاء ـ من الإمام عليه السلام ـ: ان يا ربي استعملني بما هو ارضى لك، فأيهما أحسن: من يخدم اصدقاءه، ام الذي يخدم زوجته واولاده؟
ومن الأحسن يخدم أباه وامه؛ أم الذي يخدم إمام زمانه؟
خدمة الوالدين هي في خط خدمة الإمام، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه ـ
- تذهب الى السهلة أم تبقى مع ابيك المريض
كان احد الاشخاص لديه اب كبير في السن، لكنه كان يريد الذهاب الى مسجد السهلة كل ليلة اربعاء، في إحدى الليالي كانت ليلة ممطرة مصحوبة بالرعد، فأراد الذهاب من النجف الى السهلة.
فقال له ابوه: ربما احتاجك ليلا؛ لا تذهب.
لكن الأبن اصر على الذهاب، وفعلا خرج من البيت وتوجه الى السهلة، وفي الطريق جاءه شخص، وقال له أين تذهب؟
قال: اذهب الى مسجد السهلة.
قال: لماذا تذهب الى هناك؟
قال: اذهب لالتقي بالإمام الحجة.
قال الشخص: عليك بالعود( اي الرجل الكبير في البيت).
- ما هي الثقافة المثلى؟
“اللهم اسلك بي الطريقة المثلى”، هناك عبارة في المناجاة الشعبانية تقول: “إن من انتهج بك لمستنير”، فماذا تعني؟
كل إنسان لديه سلوك؛ فمن أين ينتج ذلك السلوك؛ فترى إنسان يحلق لحيته، وترى آخر يحلقها، وترى امرأة تلبس عباءة، وأخرى لا ترتدي الحجاب، وغيرها من الأمور؛ فمن أين ينتج ذلك السلوك؟
ينتج ذلك السلوك من الثقافة، ولذا هناك من يحمل ثقافة ايمانية ربانية، فيكون سلوكه من سنخ تلك الثقافة، وهناك آخر يحمل ـ مثلا ـ ثقافة ليبرالية يكون سلوكه تبعا للثقافة التي يحملها.
كل إنسان لديه سلوك؛ فمن أين ينتج ذلك السلوك؛ فترى إنسان يحلق لحيته، وترى آخر يحلقها، وترى امرأة تلبس عباءة، وأخرى لا ترتدي الحجاب، وغيرها من الأمور؛ فمن أين ينتج ذلك السلوك؟
فإذا كانت الثقافة هي التي تحمل سلوك الإنسان الخارجي، فإن التصحيح يجب أن يبدأ من الثقافة التي يحملها، ولذا يقول امير المؤمنين في المناجاة الشعبانية: ” إن من انتهج بك لمستنير”، فمن يأخذ نهج الله، وتصبح لديه ثقافة ربانية، كالذي يحمل مصابيح يضيئ، وعبره يرى الحقائق، ويسير على الطريق الصحيح.
“اللهم اسلك بي الطريقة المثلى”، فلكي نسلك الطريق المثلى، يجب ان نحمل الثقافة المثلى، كذلك الذي يحمل في يده مصباح.
- رسول الله والخطوط المعترجة
في أحد الايام، خطَّ رسول الله، صلى الله عليه وآله، خطا مستقيما، وبجانبيه خطوط متعرجة، فقالوا ما هذا يا رسول الله؟
فقال: ذلك الصراط المستقيم، أما تلك تلك فهي صرط، وعلى كل صراط شيطان يدعو إليه”.
فالذي يقول الصرط الى الله بعدد انفاس الخلائق، إنما هي في الحقيقة الصرط الى الشيطان بعدد تلك الانفاس، أما الطريق الى الله واحد لا غير، {اهدنا…}. لذلك نحن بحاجة الى تصحيح ثقافتنا، وهذا التصحيح يأتي من مطابقة ما نحمله من ثقافة مع ثقافة القرآن الكريم.
“واجعلني على متلك اموت واحيا” في دعاء استقبال شهر رمضان، يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: الحمد لله الذي خصنا … رضوانه”.
كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، يحمد الله بالأربع التحميدات:
ـ الحمد لله الذي عرفني نفسه ولم يجعلني عميان القلب.
ـ الحمد لله الذي جعلني على ملة رسول الله، صلى الله عليه وآله.
ـ الحمد لله الذي جعل رزقي عليه ولم يجعله في ايدي الناس.
ـ الحمد لله الذي ستر ذنبي ولم يفضحني بين الخلائق.
ولذا جاء في ـ معنى ـ الرواية: الذي لم يقل هذه كل صباح يشخى ان تسلب منه، فكم من اشخاص كانوا على الملة، ثم انحرفوا، وكم هم الذين كانوا على الطريقة المثلى ثم زاعوا عن الطريق.
- العابد المزيف والتائب المنحرف
في تفسير قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} قال الطبرسي رحمه الله: “عن ابن عباس قال: كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا، عبد الله زمانا من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم فيبرؤون على يده، وإنه أتي بامرأة في شرف قد جنت وكان لها إخوة فأتوه بها وكانت عنده، فلم يزل به الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت، فلما استبان حملها قتلها ودفنها، فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب وأنه دفنها في مكان كذا، ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله لقد أتاني آت ذكر لي شيئا يكبر علي ذكره، فذكره بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك والناس فاستنزلوه فأقر لهم بالذي فعل، فأمر به فصلب، فلما رفع على خشبته تمثل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك أخلصك مما أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال:
كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟ فقال: أكتفي منك بالايماء، فأومأ له بالسجود، فكفر بالله، وقُتل الرجل”.
التقوى: مجموعة المبادئ التي على الإنسان الالتزام بها، بينما الهدى هو: مجموعة المبادئ التي يؤمن بها، فمن يؤمن بها سينطق بها
يقال ان شقيا في طهران، وكان اشقى الاشقياء، وربما ان الله اراد له الهداية، فوقع في قلبه ان يحيي مجلس عزاء للإمام الحسين، عليه السلام، فدعى اصدقاءه، وقال: ابحثوا عن افضل خطيب في طهران، وفعلا وجدوا خطيبا جيدا.
فقال لهم: عندي التزام.
فقالوا: انت هذه المرة تحيي مجلسنا.
فاستجاب الخطيب لهم.
فذهب اول ليلة، فقرأ لهم، فلم يرَ اي تأثير يحدثه فيهم، واستمر الحال لعدة ليالي، وفي ليلة عاشوراء، كلما اراد الخطيب ان يبكيهم، فلم يفلح!
قام ذلك الشقي ـ الذي اراد الله ان يهديه بالإمام الحسين، عليه السلام ـ فقال يا شيخ: اعطني المكرفون؛ فأنت لا تعرف ان تتكلم مع هؤلاء، انا سأتكلم معهم.
قال: شقاتكم قائمة على ضرب فلان وازعاج علان؛ اليس كذلك؟
قالوا: نعم.
قال: إذا كان احدهم مع عائلته، وتريدون ضربه وهو يبكي على تضربوه؟
ثم يضيف: اذا ضربتوه، وكان معه طفل رضيع؛ هل تضربونه مع والده؟
وهل تمنعونه من الماء؟ فاولئك الذي قاتلوا الإمام الحسين، عليه السلام، لم يكن لديهم أي مروؤة، فقد قتلوا الحسين، وقتلوا ابنه الرضيع. فبكى وابكى القوم، وتاب في ليلة عاشوراء.
فالله ـ تعالى ـ حينما يريد هداية شخص، فإنه يهيئ له اسباب الهداية، فتكون احداها قضية الامام الحسين، عليه السلام، الذي نتمسك به، لانه باب نجاة الامة، وسفينة النجاة، واحيانا تكون الهداية عن طريق خدمة الامام الحجّة، عجل الله فرجه، او خدمة الوالدين، او اي طريق آخر يهيئه الله.