يقول الإمام علي، عليه السلام: “احذروا ضياع الأعمار فيما لا يبقى لكم، ففائتها لا يعود”، كثيرة هي الاوقات التي يهدرها معظم الشباب في غير المهم، بل من الأسى أن يصرف البعض وقته في الثانويات وتوافه الأمور.
مرحلة الشباب مرحلة عمرية مصيرية مهمة جداً، وعلى اساس ذلك يتحدد مصير الإنسان بقية مراحل حياته الأخرى من الرجولة وما بعدها، فالشاب الذي يهدر وقته في توافه الأمور، فإن بالإمكان الاستشراف بأن مستقلبه بائس، وكما يقول علم المنطق: المقدمات تتبع النتائج.
وسائل التواصل الاجتماعي اصبحت ساحة لحرق الوقت وتضييعه في توافه الامور، او الانشغالات بما لا يجدي نفعه مستقبلا، فترى البعض يقضي الساعات تلو الساعات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد ترى آخرين ينشغلون بالرد على الشبهات القديمة الجديدة، التي تحاول جر الشباب الى اشغال وقتهم بما لا يفيد، ففي الايام القليلة الماضية ظهرت اصوات نشاز تقول: أن الإمام علي، عليه السلام، غير مدفون في النجف الاشرف، وان السيدة فاطمة لم تُضرب، ولم يُحرق دارها، ولم يُسقط جنينها، الى غيرها من الشبهات التي تم الرد عليها من قبل المتخصصين.
لكن ـ وللأسف الشديد ـ تجد السجالات في المنشورات والتعليقات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وقد لاحظت ان بعض الشباب المؤمنين، يقضي لاكثر من ساعة لتفنيد تلك الادعاءات الواهية.
أهم ما يبتلى به الشاب هو الفراغ الزائد، ولذا يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في وصيته لابي ذر الغفاري: يا أبا ذر، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ
وبشكل او بآخر يمكن ان نصف نشر هذه الشبهات وطرحها، ومناقشتها على مواقع التواصل الاجتماعي، كالفيس بوك، دون الرجوع الى المختصين في هذا المجال، يمكن ان نصف ذلك انه مؤامرة لجر الشباب الى نقاشات عقيمة، لا يرجى منها اي نفع، سوى انتفاع الطرف المقابل ببث الفرقة وتوجه الشباب الى ما لا ينفعهم.
ولأن الشباب مرحلة عمرية ذهبية بالنسبة للإنسان، فإرادته وقوته فيها على اعلى مستوياتها، ما لم يصب باليأس والإحباط، فيمكن توجيه هذه الطاقة الهائلة فيما فيه نفع له ـ كشاب ـ ولمجتمعه من حوله.
- ما هي قيمة الإنسان؟
تتحدد قيمة الإنسان بقيمة هدفه الذي يحمله، فإذا كان يحمل هدفا كبيرا وعاليا، فإن شخصيته ستكون ذات آفاق كبيرة وتطلعات سامية، أما إذا كان بلا هدف، فستجد هذا الإنسان يعيش حالة من الهمجية والتسافل في مختلف شؤون حياته.
وتأتي قيمة تحديد الهدف من وضع الهدف ذاته والبحث عن الاهداف العُليا، التي من خلالها يصل الإنسان الى الطموح المنشود، يقول سماحة المرجع المدرّسي (دام ظل)، في تفسير قوله الله ـ تعالى ـ: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} “القصد هنا تعني تحديد الهدف، ولا يصح من العاقل أن يمشي بلا هدف، كما تعني الاقتصاد أيضا، ولا شك أن من يمشي على بصيرة و لهدف معين لن يحتاج إلى صرف المزيد من الطاقات التي لا داعي لها، فلو افترضنا أن سيارة تحركت باتجاه معلوم فإن مقدار الوقود الذي ستصرفه سيكون اقتصاديا متناسبا مع الهدف، أما لو تحركت سيارة أخرى تريد هدفا غير محدد أو من دون هدف فستبقى تحرق الوقود من غير نهاية، وليس ثمة شك في أن حركة الإنسان دليل على نفسيته”.
فما دام أن الإنسان كائن هادف، ولم يخلقه الله عبثا ولا لعبا، يقول الإمام العسكري: “ما خلقنا للعب”، لماذا يضيع الكثير الفرص على نفسه، فرص التكامل والنجاح في ميادين الحياة المختلفة، سواء الجوانب المادية او المعنوية.
يقول الإمام علي، عليه السلام: “قيمة كل امرء ما يحسنه”، ومن الأمور الحسنة التي يجب ان يتلفت اليه الإنسان هي استغلال الفرص فيما يمكنه ان يدفع به التى التكامل، يقول الإمام علي، عليه السلام: “ترك الفرصة غصة”.
“والاهداف العالية، والمقاصد الرفيعة، تحتاج الى جمع كل تلك الفرصة” (كل فرد حركة وفلسفة التأخر).
ورد أن أمير المؤمنين، عليه السلام، قال للحلاق الذي اراد قص شاربه وطلب من الإمام ان يطبق شفته: الوقت اسرع من هذا، إني لا أترك ذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ حتى بهذا القدر”.
- كيف اصنع اولوياتي؟
إن هدف الإنسان هو الذي يرسم ويحدد له الطريق الذي يجب ان يسلكه، ولذلك قيل: ان الغاية تحدد الوسيلة، فكل ما كان هدف الإنسان عالية وكبيرا، كانت اوقاته وجميع افعاله تصب في ذلك الهدف؛ اما إذا كان بلا هدف ويعيش الفوضى، فإن ذلك ـ أيضا ـ يتضح من خلال سلوكياته، من قبيل تضييع الوقت، وهدر الفرص، وتقديم الاعذار المختلفة لتبرير فشله وقسوطه في معترك الحياة.
تختلف ظروف كل شاب عن الآخر، لكن تبقى هناك قواسم مشترك في عملية البناء النفسي والأخلاق والتربوي، وحتى يخرج الشاب من هذه المرحلة العمرية المهمة، لا بد له ان يسعى قدر الإمكان الى بناء نفسه بناءً ايمانيا وفكريا قويا، وذلك عبر كثرة المطالعة، وحضور الندروات العلمية المختلفة، التي من شأنها تقديم المعرفة التي يحتاجها الشاب.
إن أهم ما يبتلى به الشاب هو الفراغ الزائد، ولذا يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في وصيته لابي ذر الغفاري: يا أبا ذر، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ.
ويقول النبي الأكرم في هذه الوصية: يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.