يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “وَمَا أَجْرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ لَفْظَةِ فُحْشٍ أَوْ هُجْرٍ أَوْ شَتْمِ عِرْضٍ أَوْ شَهَادَةِ بَاطِلٍ أَوِ اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ غَائِبٍ أَوْ سَبِّ حَاضِرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نُطْقاً بِالْحَمْدِ لَكَ، وَإِغْرَاقاً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ، وَذَهَاباً فِي تَمْجِيدِكَ، وَشُكْراً لِنِعْمَتِكَ، وَاعْتِرَافاً بِإِحْسَانِكَ، وَإِحْصَاءً لِمِنَنِكَ”.
دخل رجل على رسول الله، صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله اوصني.
فقال له رسول الله: صن لسانك.
ثم قال الرجل مرةً ثانية: اوصني يا رسول الله.
فقال رسول الله: صن لسانك.
فقال: اوصني أخرى يا رسول الله.
قال: صن لسانك؛ ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “ويلك وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم”.
“لَفْظَةِ فُحْشٍ” على الرغم من صغر حجم اللسان، إلا كثير من المعاصي يرتكبها الإنسان باللسان، والمشكلة ان الناس يستصغرون معاصي اللسان، فالزنا ـ والعياذ بالله ـ شيء كبير، لكن الغيبة ـ وحسب الروايات ـ أنها أشد من الزنا، تصبح عند البعض غير كبير! كذلك فإن الفحش وإهانة المؤمن اصبحت ـ وللأسف الشديد ـ من ضمن الكلام العادي بين بعض الناس.
وإذا رجعنا الى الروايات، فإنها تأمر بالصمت تجاه كثير من الأمور، ولذا فإن الله ـ تعالى ـ خلق لسانا واحدا، وخلق شفتين، حتى يتم التحكم باللسان، ولا ينطق بما هبَّ ودب.
وإذا كان الإنسان لا يستطيع الصمت، فعليه ان يقلل من الكلام، يقول الإمام، عليه السلام: “من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه. ومن مات قلبه دخل النار”.
والإنسان حينما يتكلم بالكلمة الفحش في بداية الأمر يستصعبها، ثم تدريجيا تصبح سهلة عنده.
- الكلام الفاحش والصعقة الكهربائية
ينقل احد العلماء: حين كنتُ طفلا خرجت من البيت للعب في الشارع، وسمعت اولئك الاطفال يتكلمون بكلام نابٍ وفاحش، فحفطت كلمة من ذلك الكلام، فرجعت الى البيت، وتكلمت بها، وانا لا اعلم ما مدلول تلك الكلمة النابية.
يضيف العالِم: لم تتكلم امي بشيء إلى ان أتى والدي.
قالت أمي مخاطبة والدي: هل سمعت ماذا قال ابننا؟
فتفاجأ والدي، فهرع إليّ وأخذني الى المغسلة وفتح فمي وغسله بالماء، وقال ان لسانك قد تنجس بتلك الكلمة البذئية.
يقول هذا العالِم وعمره الآن سبعين سنة: لا زالت رهبة ذلك اليوم عندي، وتعلمت أن لا اجري اي فحش على لساني.
ومما يؤسف له ان بعض الآباء هذه الأيام اذا سمع من ابنه كلاما نابيا فإنه يضحك بوجهه، ويأخذ الأمر على محمل التساهل، مما يجعل الطفل يستمرئ الامر، وتدريجيا يتعود على الكلام البذيئ حتى يصبح من ضمن كلامه!
“أَوْ هُجْرٍ” بعض الناس يهذي بالكلام، ويلقيه دون أي معرفة؛
“أَوْ شَتْمِ عِرْضٍ” العرض ليس معناه الزوجة والأم والأخت، لكنه كل شيء يهتم به الإنسان، فهناك من يهتم بشخصيته، ومكانته، وعائلته، فأي شيء يهم الإنسان يعد عرضا، والتعرض له يعني “شتم عرض”.
ما دام أن الإنسان المؤمن في مواجهة مع الشيطان، فلا بد أن يعد هذه المواجهة جدية، وحرب حقيقية، وليست كلعبة ببجي يمكن للفرد أن يعيد اللعبة مرة أخرى، او يمكن أن يعمل ctrl+ z، فالحياة غير قابلة لذلك
“عِرْضٍ أَوْ شَهَادَةِ بَاطِلٍ أَوِ اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ غَائِبٍ”، لماذا قال “غائب”؟
حتى يتم التأكيد على ان الغيبة غير البهتان، فالغيبة حق، لكنه كلام في غير محله، أما البهتان فهو باطل، فحينما يتم الكلام ـ مثلا ـ عن شخص قصير والضحك على قصر قامته، فالكلام هذا ما دام انه يسؤوه فهو غيبة، وجعلت الروايات معيار الغيبة: “ذكرك أخاه فيما يكره”.
“أَوْ سَبِّ حَاضِرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ”، فما الفرق بين السب والشتم؟
الشتيمة هي كلمة نابية، لكن السب ليس بالضرورة يكون كلمة نابية، وهي الكلمة التي تكون جارحة.
- ما هو علاج اللسان؟
ما دام أن الإنسان المؤمن في مواجهة مع الشيطان، فلا بد أن يعد هذه المواجهة جدية، وحرب حقيقية، وليست كلعبة ببجي يمكن للفرد أن يعيد اللعبة مرة أخرى، او يمكن أن يعمل ctrl+ z، فالحياة غير قابلة لذلك.
وفي هذه المعركة نحتاج الى ادوات لمواجهة الشيطان، ومن ألطاف أهل البيت، عليهم السلام علينا، أنهم علمونا بعض هذه الأدوات، فهذا اللسان اذا لم يُشغل بذكر الله ـ تعالى ـ فإنه سيذهب الى الكلام النبابي وغير المسؤول.
ذهب أمير المؤمنين، عليه السلام، الى الحلاق، لقص شاربه ـ وفي العادة فإن الحلاق لا يتمكن من قص الشعر اذا كان الانسان يتحرك ـ وكان أمير المؤمنين مشغول بذكر الله؛ فقال له الحلاق: يا أمير المؤمنين: ثبت شفتيك حتى اتمكن من القص!
فقال: انا لا اترك ذكر الله.
لذا يقول الإمام السجاد، عليه السلام: “نطقا بالحمد لك واغراقا في الثناء عليك .. واحصاء لمننك ” فالإمام وضع امام كل رذيلة ذكر حسن:
ـ (وَمَا أَجْرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ لَفْظَةِ فُحْشٍ) يقابلها في جهة الذكر الحسن ” نُطْقاً بِالْحَمْدِ لَكَ”
ـ ( أَوْ هُجْرٍ) يقابلها ” وَإِغْرَاقاً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ”.
ـ (أَوْ شَتْمِ عِرْضٍ) يقابلها “وَذَهَاباً فِي تَمْجِيدِكَ”.
ـ (أَوْ شَهَادَةِ بَاطِلٍ) ” يقابلها ” وَشُكْراً لِنِعْمَتِكَ”.
ـ (أَوِ اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ غَائِبٍ أَوْ سَبِّ حَاضِرٍ) يقابلها ” وَاعْتِرَافاً بِإِحْسَانِكَ وَإِحْصَاءً لِمِنَنِكَ “.
فالانسان المؤمن حينما يشغل نفسه بالذكر الحسن، لن يصاب لسانه برذائل الكلام السيئ، من جهة يمتلك حمد الله، وثنائه، وتمجيده…، وهناك بعض الطرق لذلك؛ منها: المسبحة، أول من صنع مسبحة من طين، هي فاطمة الزهراء، عليها السلام، من تراب عمها حمزة سيد الشهداء، رضوان الله ـ تعالى ـ عليه، وهذه المسبحة تجعل عند الانسان آلية للذكر والتذكر.
الانسان المؤمن حينما يشغل نفسه بالذكر الحسن، لن يصاب لسانه برذائل الكلام السيئ، من جهة يمتلك حمد الله، وثنائه، وتمجيده
ثم أننا بحاجة الى برنامج للسان واشغاله بما يجب، ولذلك فإن العلماء عادة ما يشتغلون بالمستحبات النهارية والليلية، كأدعية الايام، و بعض هذه الاذكار والاوراد التي هي عبارة عن برنامج تعليمي، وإذا اراد الانسان المؤمن الاستمرار على ذكر معين، لابد من المواظبة عليه اربعين يوما، وبعدها يكون الاتيان به عادة. والروايات حافلة ببيان آثار الاذكار، كالاستغفار والتحميد والتهليل.
عندما كان الإمام زين العابدين، عليه السلام، في مجلس يزيد، كانت المسبحة في يده، وهو يحركها اثناء كلامه، فقال يزيد: ألا تسبح بها؟
فقال الامام السجاد، عليه السلام: سمعت من أبي عن رسول الله، صلى الله عليه وآله قوله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُسَبِّحُكَ وَ أُحَمِّدُكَ وَ أُهَلِّلُكَ وَ أُكَبِّرُكَ وَ أُمَجِّدُكَ بِعَدَدِ مَا أُدِيرُ بِهِ سُبْحَتِي”. وهذا ـ ربما ـ له أثر تكويني حتى لا يقع في الامور السيئة من الكلام.