يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “وَاسْتِقْلالِ الْخَيْرِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإِنْ قَلَّ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَأَكْمِلْ ذَلِكَ لِي بِدَوَامِ الطَّاعَةِ، وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَرَفْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَمُسْتَعْمِلِ الرَّأْيِ الْمُخْتَرَعِ“.
جاء فقير يسأل الإمام الحسن، عليه السلام، فأنشد:
لم يخب الآن من رجاك و من ** حرك من دون بابك الحلقة
أنت جواد و أنت معتمد ** أبوك قد كان قاتل الفسقة
لو لا الذي كان من أوائلكم ** كانت علينا الجحيم منطبقة
فأعطاه الإمام الحسن، عليه السلام، صرة، ولفها ببردة يمانية، وقال:
خذها فإني إليك معتذر ** و اعلم بأني عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا ** أمست سمانا عليك مندفقة
لكن ريب الزمان ذو غير ** و الكف مني قليلة النفقة.
بالرغم من أن عطاء الإمام الحسن، عليه السلام، عطاءً كثيرا، إلا أنه كان يشعر بأنه قليل، لأنه حين ينفق لا يعطي هذا السائل، فالصدقة إن وقعت فهي بيد الله ـ تبارك وتعالى ـ، ولذلك من المستحب حين يتصدق الإنسان أن يقبل يده، لأنه هذه الصدقة تقع من يده الى يد الله ـ تعالى ـ.
هذه الحالة “وَاسْتِقْلالِ الْخَيْرِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإِنْ قَلَّ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي“، تعطي للإنسان شعورا انه مقصر تجاه الخالق ـ جل وعلا ـ، وهذا الشعور يعد من أهم الجوانب التربوية، وقد يسأل البعض: لماذا الأئمة، عليهم السلام، يعتذرون، مع مقام العصمة الذي عندهم، فنجد الإمام علي، عليه السلام، يذهب الى صحراء النخيلة ويناجي: آه آه من قل الزاد، آه آه من بُعد السفر، ويلي اذا ان نظرت في كتابي سيئة انا ناسيها، وانت محصيها، فتقول؛ خذوه فغلوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته”. فالإمام يدعو بذلك ليربينا ويعلمنا.
والإمام السجاد، عليه السلام، في هذه الفقرات من دعاء مكارم الأخلاق، حين يستقل الخير من نفسه، إنما استقلال مقابل عظمة الرب ـ تبارك وتعالى ـ، وهذا بحد ذاته عامل مهم في تربية الإنسان بشكل كبير. وهذ الشعور ـ استقلال الخير، واستكثار الشرـ يعطي للإنسان ثلاث ثمرات:
- أن الإنسان يصبح دائم الطاعة لله، لأن الإمام بعد هذه الفقرة يقول: واكمل لي ذلك بدوام الطاعة”، فشعور الإنسان بالتقصير أمام الله، فإنه لا يدع لحظة تمر إلا ويجعلها لله ـ تعالى ـ، سواء كان ذلك عطاء للناس، أو في فيما يرتبط بالعبادات.
- لزوم الجماعة؛ فالإنسان يجب ان ينتمي الى الجماعة المؤمنة والصالحة، ولهذا فالدين يدعو الى الصلاة جماعة، وكثيرة هي الاعمال الجماعية، والجماعة المؤمنة تمثل وقاء للإنسان.
- رفض أهل البدع، ومستعملي الراي المخترع؛ من الأمور المهمة أن يرفض الإنسان المؤمن اهل البدع، والاراء الباطلة، فالرياضات الروحية، البعيدة عن الدين، والتي التي يقوم بها البعض، تعد من البدع، وهذا الشخص يدخل ضمن أهل البدعة، أما الرأي المخترع، فهو ان يعمد البعض الى اختراع ادعية من تلقاء انفسهم، وهذا ما نهى عنه أهل البيت، عليهم السلام،
قال أبو عبد الله عليه السلام، لأحد اصحابه: ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمان يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
فقلت: يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك، فقال: إن الله عز وجل مقلب القلوب والابصار ولكن قل كما أقول:
يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.