دعونا، صلينا، سبّحنا، استغفرنا، و أحيينا الليالي بالعبادة والتهجّد لنيل القربى الى الله –تعالى- خلال أيام هذا الشهر الفضيل، لاسيما في ليالي القدر الشريفة، ولنكون قد عززنا فريضة الصوم باجراءات تنقية للقلب والنفس تصديقاً لغاية الصوم {لعلكم تتقون}.
و نرجو ان نكون من الموفقين لهذه العملية التغييرية الكبرى التي تشبه الى حدٍ بعيد ولادة جديدة للانسان الصائم، بعد ان يكون من المرحومين ويشمله الله برحمته ويمحوه من قائمة المحرومين وممن يحلّ عليهم غضب الله –نستجير به تعالى-، ويا له من شعور مُرهف وجميل بأن لا يجد الانسان عليه ذنب او معصيةٌ يعذبه الله عليها، وأنه من المغفورين والرحومين في هذا الشهر الفضيل، ونحن في الايام الأخيرة منه.
ولكن! تبقى مشكلة بعد هذا؛ فالذنب الذي استغرفنا ربنا منه، ليس نفخة في الهواء الطلق، بقدر ما هو شيء ملموس وعمل وواقع كان على الأرض، كان ضمن سلوكنا وطريقة عملنا وتعاملنا مع الآخرين، فاذا غفرها الله تعالى، هل يعني أنها تكون كأن شيئاً لمن يكن؟!
-
الحكيم والمسامير
يُقال أن رجلاً كان مبتلى بالغضب، راجع حكيماً ليعالجة، فقال له الحيكم، في كل حالة غضب تعتريك خذ مسماراً ودقّه في السور الخارجي للدار وسيمكنك بعد ذلك السيطرة الغضب.
فعل الرجل ما أمره الحكيم، فكلما كان يغضب على شيء كان يأخذ المسمار ويضربه في الجدار حتى سئم من هذا العمل فبدأ يكتم غضبه مرة ويفعل مرة اخرى حتى استطاع مواجهة غضبه كلياً.
راجع الحكيم ليبشّره بما وصل اليه، فقال له الحكيم: هذه المرة كلما استطعت أن تسيطر على الغضب اذهب واقلع مسماراً من تلك المسامير، ففعل الرجل حتى انتهى منهنّ جميعا، وعاد الى الحكيم وأخبره بذلك.
الفرحة العظيمة تتمثل في محو آثار الذنوب والمعاصي وليس فقط محوها هي فقط، لان صاحبها سيكون مصوناً في قادم الأيام من احتمال الزلل مهما كانت الدوافع والظروف. جاء في الحديث الشريف: “للصائم فرحتان: فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربه”
قال له الحكيم، ارجع الى الجدار لتجد آثار تلك المسامير ثابتة فأنت وإن استطعت أن تواجه الغضب الآن إلا أن آثار هذا الغضب تبقى ولا تزول.
فربما يوفق البعض في عدم تكرار النظر الى المحرمات، ولا يستمع المُحرم، ولا يمدّ يده الى المُحرم، خلال هذا الشهر الكريم، بل انه سيقلع عن هذه العادات السيئة، ولكن آثار تلك الخطايا والسيئات تبقى في كوامن نفسه، و وجودها يشكل خطراً محدقاً عليه عندما يطرأ تغيير معين، او يحصل انحراف بسيط لسبب أو لآخر، فان تلك الآثار ستبرز وتنمو وتجعل صاحبها يحنّ الى المعصية! ولذا نجد الامام زين العابدين، عليه السلام، يطلب من الله –تعالى- في دعائه لاستقبال شهر رمضان بأن “و امحق ذنوبنا مع إمحاق هلاله و اسلخ عنّا تبعاتنا مع انسلاخ أيامه”.
فالفرحة العظيمة تتمثل في محو آثار الذنوب والمعاصي وليس فقط محوها هي فقط، لان صاحبها سيكون مصوناً في قادم الأيام من احتمال الزلل مهما كانت الدوافع والظروف. جاء في الحديث الشريف: “للصائم فرحتان: فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربه”. فالانسان الصائم يفرح عندما يكافأ بالافطار الحلال الطيب في لحظات روحانية سامية، كما يفرح بلقاء ربه طاهراً نقياً.
-
ماذا نستفيد من حكاية المسامير؟!
جاء في الحديث الشريف، مضمونه: “عدم ارتكاب الذنب أهون وأيسر من التوبة منه”، فلماذا أغضب واضطر لدقّ المسمار في جدار بيتي؟ وحسب المثل العراقي: “لماذا أدوس على الجنّي وأقول: بسم الله الرحمن الرحيم”. الاجراءات الاحترازية في هذا المجال أحجى وأنفع، وقد أشار الامام زين العابدين في خطبته وهو يدعو الله –تعالى- بأن “حتى ينقضي عنّا وقد صفيتنا فيه من الخطيئات وأخلصتنا فيه من السيئات”.
ولمن يريد الاجراءات الاحترازية عليه معرفة الفرق بين الخطيئة والسيئة؛ فالاولى: يرتكبها صاحبها عن غير عمد، بينما السيئة هي الذنب الذي يجترحه صاحبه عن علم واختيار.
وها قد تصرّمت أيام وليالي شهر رمضان المبارك، ونرجو ان قد أخذنا من المائدة الرحمانية ما يمحو فيه ذنوبنا وسيئاتنا، وأن ندخل عامنا الجديد بثوب جديد، ونفوس ملؤها الايمان، وبقلوب نقية صافية تمكننا من اقامة أفضل العلاقات الشفافة مع اخواننا المؤمنين. انه سميع مجيب.