يقول الامام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَتِّعْنِي بِهُدًى صَالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ، وَطَرِيقَةِ حَقٍّ لا أَزِيغُ عَنْهَا، وَنِيَّةِ رُشْدٍ لا أَشُكُّ فِيهَا“، جاء في روايات أهل البيت، عليهم السلام، أن الايمان في قلب الإنسان قد يكون ايمانا مستقرا، وقد يكون ايمانا مستودعا، يقول الإمام علي عليه السلام: “فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور (إلى أجل معلوم)، فإذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حد البراءة “.
وهنا مكمن الصراع مع الشيطان، فابليس الذي وعد باغواء البشر، كما قالت عنه آيات القرآن الكريم: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}، وقال تعالى: {وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً}، يكون مع الصراع في هذا النقطة الأساسية والمحورية، فهو ـ الشيطان ـ يريد سلب الإيمان من الإنسان، وحرفه عن الطريق القويم، حتى الوصول الى تشكيك الإنسان في نيته الصالحة.
لذلك الإمام، عليه السلام يقول: “وَمَتِّعْنِي بِهُدًى صَالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ”، فالهدى دائما صالح، وفي كلام الإمام، عليه السلام، تضمن العطف التفسيري، فلا يوجد هدى صالح، وهدى طالح، ولعل الهدى هنا ـ في كلام الإمام ـ هو الهدى مقابل الضلالة، والكفر مقابل الإيمان.
ومن الملفت أن الإمام السجاد عليه السلام، استخدم في الجانب الإيجابي كلمات: اعطني؛ متعني؛ وهب لي، وهذا، لكن في الجانب السلبي قال: لا استبدل به، فالخير من الله ـ تعالى ـ والشر من قبل الإنسان نفسه.
ولذا حين يطلب الإمام زين العابدين، عليه السلام، الهداية من الله، فإنه يطلب النوع المستقر منها، “وَمَتِّعْنِي بِهُدًى صَالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ”، ولذلك نجد بعض الناس كان في فترة من الفترات على هداية، لكنهم انقلبوا على اعقابهم.
الزبير بن العوام كان ابن عمة الإمام علي، عليه السلام، ومواقفه مع رسول الله، صلى الله عليه وآله، كانت كثيرة، بالإضافة الى انه وقف الى جانب أمير المؤمنين في قضية السقيفة، وطلب من الإمام علي، أن يشهر السيف دفاعا عن خلافته، وبقي الى جانب الإمام الى مسألة التحكيم.
لكن في التحكيم بدأ الانحراف تدريجيا، إذ أن احد ألاعيب الخليفة الثاني هو جعل ستة أشخاص في مصاف واحد، فالزبير رأى انه من غير المستبعد أن يكون هو الخليفة، وكانت هذه بداية الانحراف، وفي زمن خلافة الإمام علي، عليه السلام، طلب الإمارة على البصرة، لكن الإمام لم يعطه ذلك، فبدا الزبير بتجييش الجيوش وحياكة المؤامرات ضد خليفة رسول الله الشرعي.
لما اصطف الناس للحرب بالبصرة خرج طلحة والزبير في صف أصحابهما، فنادى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، الزبير بن العوام فقال له: يا أبا عبد الله، ادن مني لأفضي إليك بسر عندي، فدنا منه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال له أمير المؤمنين، عليه السلام: نشدتك الله إن ذكرتك شيئا فذكرته، أما تعترف به؟ فقال: نعم.
النقطة الأساسية والمحورية، فهو ـ الشيطان ـ يريد سلب الإيمان من الإنسان، وحرفه عن الطريق القويم، حتى الوصول الى تشكيك الإنسان في نيته الصالحة
فقال: أما تذكر يوما كنت مقبلا علي بالمدينة تحدثني إذ خرج رسول الله، صلى الله عليه وآله، فرآك معي وأنت تبسم إلي.
فقال لك: يا زبير، أتحب عليا؟
فقلتَ: وكيف لا أحبه وبيني وبينه من النسب والمودة في الله ما ليس لغيره!
فقال رسول الله: إنك ستقاتله وأنت له ظالم.
فقلت: أعوذ بالله من ذلك؟
فنكس الزبير رأسه ثم قال: إني أنسيت هذا المقام.
فقال له أمير المؤمنين، عليه السلام: دع هذا، أفلست بايعتني طائعا؟
قال: بلى.
قال: فوجدت مني حدثا يوجب مفارقتي؟
فسكت.
ثم قال: لا جرم والله لا قاتلتك، ورجع متوجها نحو البصرة، فقال له طلحة: مالك يا زبير! تنصرف عنا، سحرك ابن أبي طالب؟
فقال: لا ولكن ذكرني ما كان أنسانيه الدهر، واحتج علي ببيعتي له. فقال طلحة: لا، ولكن جبنت، وانتفح سحرك.
فقال الزبير: لم أجبن لكن أذكرت فذكرت.
فقال له عبد الله: يا أبه، جئت بهذين العسكرين العظيمين حتى إذا اصطفا للحرب قلت: أتركهما وأنصرف، فما تقول قريش غدا بالمدينة؟
الله الله يا أبه لا تشمت الأعداء، ولا تشين نفسك بالهزيمة قبل القتال.
قال: يا بني ما أصنع وقد حلفت له بالله ألا أقاتله؟
قال له: فكفر عن يمينك ولا تفسد أمرنا.
فقال الزبير: عبدي مكحول حر لوجه الله كفارة يميني. ثم عاد معهم للقتال.
الزبير بن العوام مثال حي لصاحب الإيمان المستودع، فهو بعد جهاد طويل محفوف بالمخاطر والألآم ينحرف وتكون عاقبة أمره خسرا، ولذا نجد الإمام السجاد، عليه السلام، في سياقات دعاء مكارم الأخلاق يقول: “وَمَتِّعْنِي بِهُدًى صَالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ“.
ثم يقول الإمام، عليه السلام: “وَطَرِيقَةِ حَقٍّ لا أَزِيغُ عَنْهَا“، احيانا الإنسان قد يتمتع الإنسان بالهدى، لكن طريقه ليس حقا، فهو مبتلى بالعصبيات والتقاليد وغيرها من الامور التي ليست بطريق حق، والشيطان في هذه الحالة يلبّس على الإنسان الحق، حتى انه يدخل عن طريق الإيمان والمستحبات، فمثلا زيارة قبور الأئمة، صلوات عليهم، من الأمور الجيدة والمهمة، لكنّها قد تصبح طريق باطل إذا أدت الى ان الإنسان يتخلى عن مسؤولياته وواجباته.
عندما خرج الإمام الحسين، عليه السلام الى العراق، دعا عبد الله بن الزبير للخروج معه، لكن الأخير تعذروقال: ان الصلاة في مسجد رسول الله افضل من ذلك! صحيح ان الصلاة في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وآله، مستحبة ومضاعفة بمئات الاضعاف، لكنها تصبح طريق باطل، إذا استوجب نصرة ابن بنت رسول الله.
ثم يقول، عليه السلام: “وَنِيَّةِ رُشْدٍ لا أَشُكُّ فِيهَا” عنها، كان احد طلاب العلوم الدينية يدور على بعض الناس ويسألهم: إذا عرفت انك بعد اسبوع تموت ماذا تفعل؟
فوصل الى الميزا مهدي الشيرازي فقال له مولانا ماذا تفعل اذا علمت انك تموت بعد اسبوع؟
فقال الميزرا: اعمل هذا العمل الذي اعمله الآن، ولا أحيد عنه.
فالمؤمن يجب ان لا يزيغ عن الطريق التي يسير عليها، لذا يقول الامام علي، عليه السلام في المناجاة الشعبانية: ” ان من انتهج بك لمستنير”
” ونية رشد ” احيانا تكون الهداية موجودة، والطريق ايضا صحيح، لكن تبقى مشكلة النية التي يأتي الشيطان ليتلاعب بها، ويخل بها، ويطرح الشكوك حولها، ولذا جاء في بعض الروايات ان كثير الشك في الصلاة، تكون صلاته طعام للشيطان.