“اللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي، وَصَحِّحْ بِمَا عِنْدَكَ يَقِينِي، وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي” من الأمور المهمة التي على الإنسان المؤمن أن يفكر فيها، هو أمر النية، لأنها تدخل في كل عمل يقوم الإنسان، وهي ـ النية ـ تصبغ العمل، فكل عمل يقوم به الإنسان فهو يحتمل احتمالات متعددة، فما هو المعيار الذي يجعل هذا العمل في سبيل الله أم في غيره؟
وكيف نعرف أن هذا العمل نثاب عليه أم لا؟
تتقلب النية عند الإنسان مثل تقلب قلبه، ولذا نقرأ في الدعاء: يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، ولهذا يسعى الشيطان الى تغيير نية الإنسان، وهنا يؤكد العلماء اننا نحتاج الى النية قبل العمل، ومعه، وبعده، ولا يكتفى بالنية قبل العمل، يُنقل أن أحد العلماء كان يؤلّف كتباً لمدة عشرين عاما، لكن اكتشف في لحظة أن نيته لم تكن خالصة، فدفن الكتب التي ألّفها خلال تلك المدة الطويلة.
هذا في الدنيا ألغاء هذه الكتب لشائبة في نيته، فكيف بأعمالنا اذا جئنا يوم القيامة وكانت أعمالنا مصداقا لقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}، أو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
ونجد أهمية النية في هذا الدعاء حين يبدأ الإمام زين العابدين، عليه السلام، بهذا الكلمات المهمة حول النية: “اللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي”، لأن النية يجب أن تكون نيةً صالحة، وصادقة، وخالصة.
والشيطان الرجيم يسعى لحرف النية كي لا تكون خالصة لله، وكي لا يكون : {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ولهذا نجد الإمام السجاد، عليه السلام، يستعين بالله في هذا الشأن: “اللَّهُمَّ وَفِّرْ”، لأن الإنسان من دون الله لا شيء؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، لأن الغرور إذا تمكّن من الإنسان ولو للحظة، وتصوّر انه يملك الحول والقوة، فإن الله تعالى يَكْل الإنسان الى نفسه، وهذا نقمة إلهية، وعقوبة من أعظم العقوبات، “…إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، فإنك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشر، وأبعد من الخير..، وفي دعاء أبي حمزة الثمالي: “ياسَيِّدِي إنْ وَكَلْتَنِي إِلى نَفْسِي هَلَكْتُ..”.
———————————–
- مقتبس من محاضرة في شرح دعاء مكارم الأخلاق