-
مقدمة عصرية
كل الدراسات والبحوث في المعاهد العصرية في دول الاستكبار العالمي تُؤكد: أن قوة المسلمين في ثلاثة أشياء هي (القرآن الحكيم، والرسول الكريم، صلى الله عليه وآله، والكعبة المشرفة)، وكل ما ترونه اليوم من محاولات من تلك الدوائر المعادية هي لخلخلة عقيدة المسلمين بهذا الثلاثي الذهبي.
كما أنهم يرون قوة الشيعة بشكل خاص يُضيف إلى العوامل السابقة في قوته فإن لديه ركيزتان أخرتان تُبلور قوتهم وتُعزز حضورهم العالمي، وهما:
- نهضة الإمام الحسين، عليه السلام وموسم عاشوراء، ومسيرة الأربعين المباركة التي دوَّختهم.
- المرجعية الرشيدة، وهي تمثل خط الإمامة في الأمة ويتمسك بها الشيعة عقيدة وتديناً.
فهم يُحاولون جاهدين وبكل ما لديهم من قوة في الإعلام والإعلان الكاذب الدجال، لضرب هذا الثنائي الذي يعتبرونه الصخرة التي يتحطم عليها كل آمالهم بالسيطرة على هذه الأمة المرحومة، وما يثير حنقهم وغضبهم في هذا السبيل لأنهم مهما فعلوا من مكائد ونصبوا من مصائد ما أن يأتي موسم الإمام الحسين، عليه السلام ونهضته إلا وتراهم يتقزمون ويتصاغرون وينهض عشاق الحسين، عليه السلام، ليرفعوا راياته في كل مكان، وينصبون مآتمه في كل بيت.
في هذا العصر الأغبر وخاصة في ظروف الكورونا هذا الفيروس المنحوس الذي أربك الدنيا وحضارتها الرقمية، والذي طالما تحدثنا وما زلنا نشك في أصله ومنشئه، والأرجح أنه سلاح بيولوجي صنَّعه واستخدمه مجرمو العالم المتحضر ضد أعدائهم (الصين، وكوريا، وإيران)، ولكن خرج عن القدرة والسيطرة فراح يفتك بهم أكثر من غيرهم لأنهم لا يُعيرون أي أهمية أو قيمة للإنسان لا سيما كبار السن والمرضى منهم بالخصوص.
ومن جملة تلك المظاهر التي سعوا إلى إرباكها كان الحج إلى بيت الله الحرام، وقد نجحوا في ذلك لأن القائمين على الحج جزء لا يتجزأ من المؤامرة على الإسلام وقد ارتهنوا بكل ما لديهم للصهيونية وسيد البيت الأسود، والهدف الآخر لهم كان الشعائر الحسينية التي يقوم بها أحرار العالم وخاصة شيعة أمير المؤمنين، عليه السلام، وعُشاق سيد الشهداء، عليه السلام فكانت العيون في العالم أجمع متسمِّرة ومتطلعة إلى المراكز الشيعية الأساسية لا سيما في العراق (كربلاء والنجف)، وإيران، وسوريا، ولبنان، وباكستان، وأفغانستان، ونيجيريا، وغيرها من البلدان.
ولكن الواقع أثبت أن الشيعة هم أهل القضية الحقيقيين حيث أصروا على إقامة الشعائر رغم كل التحديات، والصعوبات، والاحتياطات، فقاموا بكل ما يلزم من كمام، ومعقمات، وتباعد، فملؤوا الدنيا مجالس وأحالوا بيتهم، والشوارع، والمدارس، وكل الحدائق المفتوحة إلى مجالس تصدح بذكر الإمام الحسين، عليه السلام، حتى أنهم أحالوا أماكن ومراكز اللهو واللعب كملاعب الكرة وصالاتها إلى مجالس حسينية، فتضاعفت المجالس وزادت الأعداد في كل مكان، وصارت المجالس مظاهر حضارية وموسم ثقافي على مستوى المنطقة برمتها.
وكان ختامها مسك في كربلاء العزة والكرامة، والشرف والشهامة حيث لم يقبل ولن يقبل الأخوة القائمين على المرقدين المطهرين أن يغلقوهما في وجوه المعزين بل فتحوا المجال لكل المواكب، ومن كل الاتجاهات فملؤوا ساحات كربلاء بالرجال وملأت أصواتهم أسماع الدنيا بندائهم، وبكائهم، وشجي نشيجهم، وعالي صرختهم: لبيك يا حسين، لبيك داعي الله.
وهذا بعض واجبنا تجاه عاشوراء ونهضة الإمام الحسين، عليه السلام، وللفائدة أكثر ننقل ما تفضل به الإمام الشيرازي الراحل عن واجبنا تجاه النهضة الحسينية المباركة حيث ينقل لنا تجربة من خصومنا اليوم حيث يقول: “ينقل أحد كبار علماء الإسلام: إنه التقى بأحد القساوسة المسيحيين، فأخبره ذلك القسيس وقال له: “لو كنا نملك الإمام الحسين، عليه السلام، الذي عندكم لجعلنا الدنيا كلها تؤمن بالمسيح (عليه السلام)، وذلك عن طريق نصب الأعلام السوداء في كل مكان ونشر مظلوميته، وجمع الناس حول هذا العلم وهدايتهم إلى الدين المسيحي.
ثم قال القس المسيحي لذلك العالم المسلم: إنكم لا تدركون قدر الإمام الحسين، عليه السلام، وعظمته، ولا تعرفون مدى أهمية هذه القوة المعنوية التي بأيديكم أيها المسلمون”.
ثم يعلِّق سماحته فيقول: “نعم؛ إن ذلك المسيحي قد قال الحقيقة، فنحن المسلمين لحدِّ الآن لم ندرك القوة المعنوية لنهضة الإمام الحسين، ولم نستفد من ذلك، فإن أحد الألقاب التي تطلق على الإمام الحسين، عليه السلام، هي (يا رحمة الله الواسعة، ويا باب نجاة الأمة) فإذا كنا من أتباع الإمام الحسين، وهو باب نجاة الأمة الواسعة، فلماذا تسلَّط علينا الصهاينة، والمسيحيون، والشيوعيون، والبعثيون، والقوميون، والغربيون، ومَن أشبه.
إذن يلزم علينا أن نتمسك بأهداف الإمام الحسين، عليه السلام، وتعاليمه، بحيث يظهر في أعمالنا أننا قد اعتمدنا على رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة، كما علينا أن نعمل بالقرآن الكريم والقوانين الإسلامية التي ضحى من أجلها الإمام الحسين، في نهضته المباركة، عندئذ يمكن استعادة قدرة الإسلام وقوة المسلمين وما ذلك على الله بعزيز”. (موجز عن النهضة الحسينية السيد محمد الشيرازي: ص44).
فالإمام الحسين، عليه السلام، يوحدنا في زمن الضعف، والهزائم، والانبطاح تحت أقدام الأعداء من المستكبرين، والمتصهينين من أعراب الجاهلية من عُشاق أبي الجهل وأبي سفيان الذين ارتموا في أحضان عمومتهم من بني صهيون بأمر من سيدهم ترامب، فما أحوج هذه الأمة لثقافة الإمام الحسين، ولكن كيف سيفهم شعارات وأهداف نهضة الحسين، وهو جسر لليهود، ومداس للسلاطين والشياطين من حكامهم الذي ما عرفوا معنى للشرف والكرامة؟
وللحقيقة والتاريخ نقولها: إذا أرادت هذه الأمة أن تنتصر فليس لها إلا الإمام الحسين، عليه السلام، ونهضته المباركة، ولن تؤمن بالحسين وهي تتبع معاوية، وتدافع عن يزيد الشر، وبني أمية لأن بني أمية لم يبنوا حضارة بل الرسول الأعظم، بناها رغماً عنهم ولكن سرقوها قوة وغصباً.
فالأمة أمة الإمام الحسين، عليه السلام، وأبيه، وجده، وليست أمة يزيد، ومعاوية وأبي سفيان لأن هؤلاء الأشقياء لعناء في بداية الدَّعوة، طلقاء في نهايتها، لصوص وحرامية فيما بعدها فليس لهم دين إذا ذُكر الدَّيانون، ولا شرف إذا ذُكر الشُّرفاء، فمبلغ فخرهم كان تعنِّي رحلة الشتاء والصيف التي سرقوها أيضاً من هاشم الخير بعد أن اغتالوه في فلسطين (غزة هاشم).
فعندما تُدرك هذه الأمة هذه الحقائق وترجع إلى أصلها وأصولها وتُعيد القيادة إلى قادتها وسادتها من بني هاشم، وأحفاد رسول الله، صلى الله عليه وآله، من وصيه وابنته فاطمة الزهراء، عليه السلام، الذين هم زينة الدنيا وبهجتها، ونورها، ودينها، وقرآنها الناطق، والثقل الأصغر فيها، عندها تنهض وتبني حضارتها الإنسانية العملاقة التي يخضع لها الكون برمته، ويسودها القسط والعدل كما أمر الله تعالى.
-
انتصر الشيعة بالحسين
هذا ما أكده الشيعة الكرام على مستوى العالم أجمع حيث نجحوا بإقامة المراسم والشعائر الحسينية بأضعاف مضاعفة وعلى مستوى العالم وبزخم أكبر من كل ما مضى من السنوات فهم يستحقون الحب والإكبار والإعجاب والتقدير لكل ما قاموا به خلال هذا الموسم الحزين فأثبتوا للعالم أنهم شيعة حقاً ومحبين صدقاً ومخلصين لقضيتهم الأساسية نهضة الإمام الحسين، عليه السلام.
-
المرجع الشيخ الوحيد الخراساني
وهذه ليست شهادة هذا العبد الفقير إلى رحمة ربه بل هي ما شهد به العدو قبل الصديق، وتشكرهم على نجاحهم المبهر هذا كبار الأعلام والمراجع الكرام في الأمة فهذا المرجع الكبير سماحة الشيخ الوحيد الخراساني قال في ختام مجالس عزاء سيد الشهداء، عليه السلام، في ١٢ محرم ١٤٤٢ هجرية مخاطباً الهيئات والمشاركين في المجالس الحسينية: “إنّ الذين سعوا في إقامة شعائر أهل البيت، عليهم السلام، في هذا العام وأعطوا أهمية خاصة لإقامة المآتم – مع وجود هذا الفيروس ومع رعاية ما يلزم رعايته – فإنّ أجرهم عند الله تعالى لا حدّ له ولا حصر”، ثم أضاف سماحته:”وأنا بدوري أُقبّلُ أيدي جميع المشاركين في هذه المآتم والمجالس”.
-
المرجع السيد محمد تقي المدرسي
هذا وقد “أشاد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)، بإحياء المؤمنين لذكرى عاشوراء في جميع أنحاء العالم، مبيّناً أنّ المؤمنين ولا سيّما في العراق سجّلوا بشجاعتهم المستلهمة من واقعة عاشوراء، ملحمةً عظيمةً تتصل بملحمة كربلاء، متحدّين الظروف الصعبة والقيود المحددّة”.
وأنا بدوري أشكرهم جميعاً وأُقبِّل تلك السواعد السمراء اللاطمة، والجباه الشامخة بعيونها الباكية على مصابنا بالسبط المظلوم، سيد الشهداء المولى أبو عبد الله الحسين، عليه السلام، وكذلك الخطباء الكرام، والرواديد الأجاويد، وكل المعزين، الذين نجحوا بالإمام الحسين، عليه السلام مرة أخرى، والعيون متسمرة وناظرة إلى الأربعين الذي سيكون شوكة في عيون الأعداء بإذن الله تعالى، وسيكون أعظم من كل الأعوام الفائتة لنُسمع صرخة الحق الحسينية، ونوصلها إلى كل الآذان، ولينتبه أهل الفسوق الطغيان، والغفلة والنسيان لصرختنا المدوية حين نتحلَّق حول ضريح الإمام الحسين في كربلاء العزة والكرامة، في الأربعين منادين ملبيين: “لبيك داعي الله، لبيك يا حسين“.