-
مقدمة جهادية
الحديث عن الإمام الحسين، عليه السلام، ارتبط منذ الأزل – على ما يبدو – بمسألة الجهاد في سبيل المبدأ، والدِّين، والعقيدة، والفضيلة، وكل المنظومة القيمية الإلهية في هذا الكون.
وفي يوم مولد سيدنا ومولانا وإمامنا ومقتدانا الحسين، عليه السلام، سبط رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسيد شباب أهل الجنة، علينا أن نتحدث بفرح، وسرور وبهجة وعظمة وافتخار بهذه المناسبة العطرة، وذلك لأن الإمام الحسين، عليه السلام، تحوَّل من شخص إلى رمز، وراية خفاقة فوق روابي القيم الإنسانية وأعلاها وأسماها هي قمَّة الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، قال النبي، صلى الله عليه وآله: “اغزوا تُورِّثوا أبنائكم مجداً“، وعن أبي جعفر الإمام الباقر، عليه السلام، قال: “إن الخير كل الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة“، وقال: “الخير كله في السيف، وتحت السيف، وفي ظل السيف“، ولكن سيف الله ذو الفقار العادل، لا سيف الشيطان والحاكم الظالم.
الإمام الحسين، عليه السلام، قدوة للأمة الإسلامية، وأسوة للإنسانية بما جمعه من فضائل وحواه من قيم جعلته إماماً مفترض الطاعة من الله، ومعصوماً من الزلل والخطل
وذلك لأن: “الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام“، و”ما صلحت دنيا ولا دين إلا به“، بالجهاد، وهو “باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجُنَّته الوثيقة، ومن تركه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وديِّث بالصغار، والقماءة، وضُرب على قلبه بالإسهاب وأُديل الحق منه“، والإمام الحسين، عليه السلام، هو الذي اختار أن يتربَّع على تلك القمة الشاهقة، ويرفع رايته فوقها سامقة لتكون نبراساً للهداية، ويكون،عليه السلام، متراساً للمجاهدين على طول المدى وتعاقب الأجيال وتتابع الأيام والسنين إلى أن يظهر صاحبها عجل الله تعالى فرجه.
-
الإمام الحسين عليه السلام قائد
القيادة يعني مركز القرار في الحياة، وهو مكان التفكير، والتدبير، والتوجيه، والتربية، وتحمل المسؤولية، وهي مسألة متبادلة بين الإمام والأمة، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما لأنه لا أمة بلا إمام يقودها، في الحياة والواقع، فالإمام في الحياة هو كالرأس في جسد الأمة، وكالقلب في ضخِّ الحياة فيها، ولذا ترى الأمة الإسلامية ضاعت عندما ضيَّعت إمامها واتبعت رجال قريش الذين هم يعترفون بأن إمامهم وقائدهم ووليهم الإمام علي، عليه السلام، الذي بايعوه في غدير خم على ذلك.
وجميل ما جاء في كتاب القيادة الإسلامية: “في كل من (الأمة والإمام) ازدواجية الكيان ذلك لأن لكل شخص يعيش داخل مجموعة (كياناً ذاتياً) يعيش بداخله فرد، له شخصيته وميِّزاته وله حاجاته وأمانيه، وله فيما وراء هذه الشخصية: (كيان آخر) به تكون علاقته بالمجتمع، وتفاعله معه وهذا بعض الكيان المجموعي الاعتباري الذي يضمُّ الأفراد بعضهم إلى بعض.
وللإمام كذلك كيان ذاتي، وآخر اعتباري؛ فهو بالأول إنسان كالآخرين يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وبالثاني يُجسّد شخصية الأمة بكيانها المجموعي، ويعيش حاجاتها ويتحسس آمالها وآلامها، ويستقطب طاقاتها، ويوجه جهودها”. (القيادة الإسلامية؛ جواد كاظم: ص98).
ثم يقول: “إن الإمام هو خلاصة الأُمة وعقلها البصير، ومجسِّد آمالها، ومحطُّ آلامها، ورُبَّان سفينتها، وسائق ركبها”، وهذا ما كان عليه الإمام الحسين، عليه السلام، في عصره الذي نزا فيه على كرسي السلطة والحكم يزيد الشر، وتسلَّط على الأمة ليقهرها ويُذلَّها وفيها الإمام الحسين، عليه السلام، الذي قال عنه جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، إمام قام أو قعد، أي إمام في كل حالاته.
-
الإمام الحسين عليه السلام قدوة
مسألة القدوة هي من المسائل التي جاءت في القرآن الحكيم، وأمر بها رب العالمين، في أكثر من آية كريمة، وجعل أبانا إبراهيم الخليل قدوة، وأتباعه، وأمر المسلمين وخصَّهم في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}. (الأحزاب: 21)، وأسلوب التربية بالقدوة الحسنة هي من أهم الأساليب في المدارس التربوية حالياً.
وكان الإمام الحسين، عليه السلام، قدوة للأمة الإسلامية، وأسوة للإنسانية بما جمعه من فضائل وحواه من قيم جعلته إماماً مفترض الطاعة من الله، ومعصوماً من الزلل والخطل، وهذا ما شهد به والده أمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام، حين قال: “يا أبا عبد الله أسوة أنتَ قدماً؟ فقال: جعلت فداك ما حالي؟ قال: علمتَ ما جهلوا، وسينتفع عالمٌ بما علِم، يا بُني اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك فو الذي نفسي بيده ليسفكنَّ بنو أمية دمك، ثم لا يرُدونك عن دينك، ولا ينسونك ذكر ربك، فقال الحسين، عليه السلام: والذي نفسي بيده حسبي، وأقررتُ بما أنزل الله، وأُصدِّق نبي الله، ولا أُكذِّب قول أبي” (البحار: ج44 ص262).
بهذه الشهادة العلوية الشريفة التي يمكن أن نكتب عليها كثيراً، ونتحدث عنها طويلاً، ولكنها اختصرت منهج الإمام الحسين، عليه السلام،ورسالته الجهادية في هذه الحياة، وسيبقى قدوة للأجيال الآتية لأنه كان أسوة من قديم الزمان، أي منذ أن خلقه الله وبرأه من نور ذاته جعله قدوة في الجهاد، والنضال في سبيل الله، وكان حقاً نعم القدوة، وصدقاً أكرم به من أسوة فهو الذي أعطى كل شيء لله، فأعطاه الله كل شيء، وما عليك إلا أن تلقي نظرة على الخريطة العراقية في أيام محرم الحرام وصفر الأحزان لتعرف أن الإمام الحسين، عليه السلام،مشروع الله ودينه في الأرض، وهل يعني ذلك غير القدوة عبر الزمان وسينطلق ليكون في كل مكان فكل أرض كربلاء.
-
الإمام الحسين عليه السلام متراس المجاهدين
ومن هنا نجد أن الإمام الحسين، عليه السلام، منذ انطلاقته بنهضته المباركة وإلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها هو متراسٌ ومجنٌّ ودرعٌ للمجاهدين في سبيل الله، لأنه القائد الرباني، والقدوة الصالحة والمثال الأرقى، والأنقى، والأتقى على مدى الأيام والعصور والدهور، ولن يجدوا شخصاً مثله في أي زمان ومكان.
وللإمام كيان ذاتي، وآخر اعتباري؛ فهو بالأول إنسان كالآخرين يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وبالثاني يُجسّد شخصية الأمة بكيانها المجموعي، ويعيش حاجاتها ويتحسس آمالها وآلامها، ويستقطب طاقاتها، ويوجه جهودها
لأن الإمام الحسين، عليه السلام، اختطَّ سبيل العزة والكرامة وعلَّم الناس الشَّرف والكرامة، لأن اللَّهَ أخذ: “عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ“، فأينما وُجد الحاكم الظالم، والسياسي الفاسد، والقاضي الجائر، والتاجر السارق، والاجتماع على الباطل ستجد نهضة الإمام الحسين، عليه السلام، متراس الرجال في ذلك المجتمع، وثورته مشعلهم ووقودهم للقيام بواجب الإصلاح الذي نادى به سيد الشهداء في أول خطواته باتجاه أرض العزة والكرامة والشهادة في كربلاء، حيث قال، عليه السلام، في وصيته ورسالته: “إني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله، صلى الله عليه وآله، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، عليه السلام. (بحار الأنوار 44: 329).
هي كلمة ولكن صارت شعاراً في الأمة، يحفظها عن ظهر قلب رجال الجهاد فيها، وطُلاب الإصلاح والعدالة الاجتماعية، وحكم الله في المجتمع الإسلامي، وتحوَّلت إلى وقود يُحرِّك الثوار ويحثهم على التغيير الإيجابي المطلوب في الأمة.
-
حاجتنا للإمام الحسين عليه السلام اليوم
في هذا العصر الأغبر الذي اجتاحتنا الفتن وأقبلت علينا سوداء ظالمة كما وصفها رسول الله، صلى الله عليه وآله: “فتناً كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً، أو يُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا“، وها نحن نشهد مخاضاً عجيباً غريباً في هذا العصر الذي يُحاولون أن يصنعوا ديناً جديداً تحت اسم (الدِّين الإبراهيمي) وهي دعوة باطلة أُريد منها باطل لأن الإسلام هو الدِّين الإبراهيمي الحق كما في نص الآية الكريمة: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}. (سورة الحج: 78).
ولكن من أجل تسويق التطبيع من الكيان المغتصِب لأرض فلسطين والقدس، وضرب الأمة الإسلامية بمقتل بعد أن فشلوا بكل هذه الحرب عليها وكان أخطرها وأشرها داعش الذي صنعوها ودربوها ودعموها وسلحوها وأرسلوها إلى العراق وسوريا، ولكن الوعي والولاء، والقيادة الحكيمة للمرجعية الرشيدة والحوزة العلمية المباركة هي التي فوَّتت عليهم الفرصة وأفشلت كل مخططاتهم التدميرية، فجاؤوا بهذه الدَّعوة ويُحاولون صناعة هذا الدِّين الباطل.
فما أحوجنا إليك سيدي ومولاي يا أبا عبد الله، في هذه الأيام العصيبة على شيعتك ومحبيك، الذين اعتصموا بك وبنهضتك وثورتك المباركة يستلهمون منها العزم والصبر والثبات على المبدأ الحق وفي وجه تلك الحرب الظالمة التي شنَّها عليهم دُعاة التكفير وجهاد النكاح؟
ففي هذا الأيام الشعبانية المباركة حيث مواليد أبطال كربلاء الأربعة، والطالب بثأرهم خامساً وهو الإمام الحجة بن الحسن المهدي المنتظر، عليه السلام، وكل هذه الحرب عليه – روحي فداه – لأنه القائد الرباني المنتظر والإمام المدَّخر لإقامة سُنن العدل، ودولة العدالة في هذه الحياة، وهو حفيد الإمام الحسين، عليه السلام، والذي سيكون شعاره (يا لثارات الحسين)، وعندما يظهر سينادي: “ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين، عليه السلام، قتلوه عطشان..
ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين، عليه السلام، طرحوه عريانا..
ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين، عليه السلام، سحقوه عدوانا“.
فالعالم سيعرف حق الإمام الحسين، عليه السلام، الشهيد المظلوم في ذلك اليوم، وسيعرف الرجال الأبطال سلامة خطتهم عندما اتخذوه متراساً لهم في جهادهم.
فآلاف التحية والسلام عليك سيدي ومولاي يا قدوة الصديقين، ومتراس المجاهدين، يا أبا عبد الله الحسين.