أم البنين الكلابية ربما أن الكثير يجهل مَن هي وما هي سيرتها وحياتها، ولا يُعرف منها إلا أنها والدة أبي الفضل العباس بن علي عليهما السلام، والكتابات حول هذه الشخصية العظمية تكاد تكون شحيحة لسبب أو آخر.
واليوم إذ تمر علينا ذكرى وفاة هذه السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام الكلابية الملقبة بـ (أم البنين) نستعرض كتابا ـ جديرا بالقراءة ـ في حق هذه المؤمنة العفيفة، وهو كتاب ” جوهر المدينة اضاءات من حياة السيدة أم البنين”، لمؤلفه سماحة آية الله السيد هادي المدرسي.
ويناقش الكتاب قضايا ومواقف مختلفة من السيرة المعطاءة لهذه المرأة المؤمنة التي تركت أثراً كبير في التاريخ الإسلامي، لا زالت امتداداته الى يومنا هذا، وللأسف فإن دور هذه المرأة كأم ومربّية مبعد عن صفحات التاريخ إلا النزر القليل، وما احوجنا في هذا الزمن الى القدوة والأُسوة الحسنة لتقديمه الى الأمهات والفتيات، في التربية والأخلاق والعبادة…، في وقت يتم فيه تقديم القدوات الزائفة من قبيل المغنيات وعارضات الأزياء وما أشبه.
وما تعاينه بعض الأسر المسلمة من الخلافات العائلة وكثير حالات الطلاق والمشاكل الزوجية يُعزى الى غياب القدوة المثلى على الصعيد العائلي والأسري، فلو كانت القدوة والأسوة السيدة الزهراء، وأم البنين عليهما السلام، فيسكون الحال مختلفا تمام عما عليه بعض العوائل التي تعيش الجحيم الداخلي، وما تلك الافرازات التي تخرج الى العلن إلا نتيجة لذلك البُعد عن القدوة المثلى، كحال تلك الأم التي ألقت بطفليها من على جسر الائمة الى نهر دجلة في العاصمة بغداد!
وبالعودة الى الكتاب الذي نستعرضه، لا بأس ببعض المقطوعات المتلألة من هذا الكتاب القيّم، في بداية الكتاب يشرع المؤلف بتقديم لمحة تاريخة عن والد فاطمة الكلابية، يقول المؤلف: “كان من عادة حزام ان يسافر من أجل التجارة، أو الصيد، مع جماعة يستضيفهم، ويتحمل عنهم ما يحتاجون إليه، وكانت رؤياه التي رآها قد وقعت في إحدى أسفاره وهو بعيد عن أهله، فقد ترك زوجته وهي حامل في بلدها، وقصد بلدة بعيدة، وفي الصحراء كانت رؤياه.
تمتعت أم البنين عليها السلام، بالقناعة والوفاء والتواضع، فقد ألغت وجود نفسها تقريبا في بيت الإمام عليه السلام، وكانت تمارس التضحية في كل لحظة من لحظات حياتها، فقد دخلت في بيت أزهد الزاهدين بعد رسول الله، فلم يكن بيتها بيت الرفاهية وبيت الملذات
وحينما عاد الى أهله، وجدها قد وضعت حملها، ولما سأل عن جنس المولد قيل له إنها أنثى، فتهلّل وجهه فرحا وسرورا، فقد تحقّقت رؤياه في الصحراء، وقال في نفسه “أظن أن الجوهرة التي رأيتها في منامي هي هذه البنت”
ولما سألته زوجته عن الاسم الذي يختاره لها؟
قال: سموها فاطمة.
فسألوه ـ كعادة العرب ـ عن الكنية التي يختارها لها؟
قال: كنوها بكنية جدتها أم البنين
وأم البنين هذه الجدة هي ليلى بنت عمرو بن عامر ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكانت توصف بالشجاعة والصبر والنُبل، وكان لها مجموعة من الأولاد ورثوا من أمهم تلك الصفات”.
-
فاطمة الكلابية في بيت أمير المؤمنين
ثم ينتقل المؤلف الى حياة أم البنين خصوصا ذلك العُمر الذي قضته مع أمير المؤمنين، يقول المؤلف: “بعد انتقال السيدة فاطمة الكلابية عليها السلام، الى بيت أمير المؤمنين عليه السلام، ودخولها في دار الإمامة، في ظل سيد الخلق بعد رسول الله، صلى الله عليه وآله، بدأت صفاتها النبيلة بالظهور واحدة تلو الأخرى.
فبداية طلبت من الإمام عليه السلام، أن لا يذكرها باسمها فاطمة، وإنما بكنيتها أم البنين، وحينما سألها الإمام عن السبب؟
قالت: “حتى لا يتذكر أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام أمهم الراحلة عنهم في ريعان شبابها”.
يسرد المؤلف مواقف وقيم مثلى من حياة السيدة الطاهرة أم البنين عليها السلام، ويتنوع الكتاب في مواضعيه الرائعة من سيرة ام البنين، وما يميز هذا الكتاب عن غيره هو تقديم هذه السيدة كقدوة حسنة يمكن للنساء الاحتذاء بها في حياتهم العملية
-
مسيرة العطاء في بيت الوصي
قد يسأل البعض:
أين موقع أم البنين عليها السلام في عالم القيم؟
وبماذا كانت تتميز عن غيرها من النساءا الصالحات؟
ولماذا كان لها هذا المقام الرفيع في التاريخ؟
تميزت أم البنين بأمور:
الأول: معرفة الله عزوجل ومعرفة أوليائه، فقد عرفت زوجها الإمام عليه السلام حجة الله على الناس، وأمينا في أرضه، كما عرفت مقام السيدة الزهراء عليها السلام وأولادها.
الثاني: تمتعت أم البنين عليها السلام، بالقناعة والوفاء والتواضع، فقد ألغت وجود نفسها تقريبا في بيت الإمام عليه السلام، وكانت تمارس التضحية في كل لحظة من لحظات حياتها، فقد دخلت في بيت أزهد الزاهدين بعد رسول الله، فلم يكن بيتها بيت الرفاهية وبيت الملذات.
الثالث: أنها تميزت بالوفاء، ومن ذلك وفاؤها لأمير المؤمنين عليه السلام، فهي لم تتزوح أحدا بعده بعد شهاته، بالرغم من توالي الطلبات عليها للزواج.
الرابع : أنها تميزت بالتحمل، فقد تزوجت رجلا كان يشدد على أهله، ليرفّه عن الناس، ويضيق على نفسه وأهله ليوسع على الناس، مع أنها عاشت في بيت أبيها في رفاهية من العيش ورغد الحياة”.
ويسرد المؤلف مواقف وقيم مثلى من حياة السيدة الطاهرة أم البنين عليها السلام، ويتنوع الكتاب في مواضعيه الرائعة من سيرة ام البنين، وما يميز هذا الكتاب عن غيره هو تقديم هذه السيدة كقدوة حسنة يمكن للنساء الاحتذاء بها في حياتهم العملية.
يقع الكتاب في 161 صفحة ويباع في كثير من المكتبات ابرزها مكتبة البصائر الخاصة بنشر مؤلفات السادة المدرسيّة وتقع بسوق الحويش في النجف الأشرف، وكما ويتوفر الكتاب ايضا بالصيغة الالكترونية pdf، على موقع المكتبة على التلجرام.