في عام 2013 كنا في محافظة صعدة في زيارة، ومحافظة صعدة تقع شمال العاصمة صنعاء وتبعد عنها حوالي 244 كيلو متر، صادف حينها تظاهرات في مدينة صعدة القديمة تنديدا بالتدخل الامريكي في اليمن.
كان الناس يمشون باتجاه المنصة المعدّة لإلقاء المشاركات المختلفة من الكلمات والاشعار المعبرة عن المناسبة، واثناء مشينا نحو تلك المنصة وإذا بإنفجار عنيف يهز ذلك الشارع نتيجة عبوة ناسفة تم وضعه على جانب الطريق.
ولأن الحوثيين قد مرسوا الجانب الأمني نتيجة الحرب التي تعرضوا لها إبان النظام اليمني السابق، بالاضافة الى انهم مستهدفون تنظيم القاعدة آنذاك وداعش مؤخرا، تم تطويق منطقة الانفجار وحضرت الأجهزة الأمنية، ومنعوا وصول الآخرين الى مكان الإنفجار، تفاديا لحدوث انفجار آخر (مزدوج). مما لفت الانتباه هو استجابة المواطنين وتفاعلهم مع القرارات الامنية بعدم التجمع، واتاحة المجال للأجهزة المختصة لمزاولة اعمالها.
العراق أيضا كان عرضة للعمليات الانتحارية الكثيرة كان ابرزها في الآونة الأخيرة تفجير شارع الكرادة الذي طال مجتمع الليث وغيرها، كان آخرها تفجير ساحة الطيران الذي راح ضحيته أكثر من 100 شخص بين شهيد وجريح.
ولأن الإنفجار الأخير كان انفجارا مزدوجا، اي كان الانفجار الاول بهدف تجميع الناس، ثم يأتي الانتحاري الآخر ليفجر بين جموع المحتشدين الذين لا يعرفون أن هناك من يتربص بهم، من أجل ذلك كان لابد من الحس الأمني، او ما يطلق عليه الوعي الأمني الاجتماعي.
فما هو؟
وكيف نعمق هذا الشعور عند بقية افراد المجتمع؟
الحس الامني: “هو الشعور والاحساس المتولد داخل النفس والمعتمد على أسباب وعوامل موضعية تؤدي الى توقع الجريمة بقصد منعها أو ضبط مرتكبيها مشيرا الى أن ذلك الحس لا يقتصر على رجال الأمن فحسب بل يكون لدى كل مواطن حسن امني تجاه وطنه”.
كثرة العمليات الأمنية التي تعرّض لها العراق، فمن بعد عام 2003مـ، شُن علىى هذا البلد المئات من الانتحاريين والسيارات المفخخة، وراح ضحية ذلك آلاف الشهداء والجرحى، وهذا بحد ذاته يدفع المواطن الى تحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث على أرض الواقع
او هو”هو الاحساس والشعور بكل ما يخل بالامن او يدعو للخوف على الامن”.
قبل ان ندخل في تعداد العوامل التي تحتم على المواطن العراقي ان يكون شريكا لرجل الأمن والشرطة في توفير الأمن للمجتمع، لابد من الاشارة الى ملاحظة: تعرض العراق لمئات العلميات الارهابية التي طالت الاسواق والاحياء السكنية، ولكثرة هذه العمليات اصبح الأمر مستساغا عن غالبية الناس، بالتعبير القائل: هي خربانه! عليمن افتّح عيني في الشارع، هو كل ساعة عندنا انفجار.
وملاحظة أخرى: وهو بعد القضاء العسكري الإرهاب الداعشي اطمأن عامة الناس، وهذا بحد ذاته تساهل في الجانب الأمني، وإلا فالعراق عموما والشيعة على وجه الخصوص مستهدفون، سواء كان عبر داعش ام غيرها.
هناك عدة عوامل تجعل من الجميع التمتع بحسٍّ أمني يعاضد رجال الشرطة والأمن لتوفير أسباب الاستتباب الأمني:
- كثرة العمليات الأمنية التي تعرّض لها العراق، فمن بعد عام 2003مـ، شُن علىى هذا البلد المئات من الانتحاريين والسيارات المفخخة، وراح ضحية ذلك آلاف الشهداء والجرحى، وهذا بحد ذاته يدفع المواطن الى تحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث على أرض الواقع.
- الشعور بالمسؤولية: وثقافة المسؤولية نابعة من صلب المبادئ والقيم الاسلامية، يقول الله تعالى: {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}، ويقول الإمام علي، عليه السلام يقول: “وانكم مسؤولون عن بقاع الأرض وبهائمها”. وعلى كل فرد من موقعه ان يستشعر المسؤولية الكاملة تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
- انفراد رجل الأمن الشرطة بالعملية الأمنية: صحيح أن المسؤولية الكاملة تلقى على رجل الشرطة كون هذا العمل من اختصاصه، لكن ما لم يتكاتف الجميع معه لمساعدته فتبقى الفجوة الأمنية موجودة.
إن التعاون مع رجل الأمن يتمثل اليوم، في الابلاغ عن الحالات المشتبه بها سواء كانت تلك الحالات افراداً او اشياء غربية تم ملاحظتها مؤخرا، سواء في الشارع او المدرسة أو اي مؤسسة مجتمعية او حكومية.
وإذا ـ لا سامح الله ـ حدث خرق أمني كالتفجير الإرهابي الجبان الذي طال الأبرياء في ساحة الطيران ببغداد، فإن مسؤولية الجميع هي اخلاء ساحة الحدث، وفسح المجال للجهات المختصة ـ كرجال الأمن والمسعفين الحكوميين ورجال الدفاع المدني.. ـ للتعامل الخاص مع ذلك الحدث.
إن المواطن هو رجل الأمن وخط الدفاع الأول في مجتمعه نتيجة العلاقة المتينة التي تربطه برجل الأمن، ولهذا فإن العناية بالحس الامني ضرورة اجتماعية ملحة أكثر من أي وقت مضى، في زمن فقد فيه المسلمون الأمن في مجتمعاتهم نتيجة تداعي الأعداء عليهم داخليا وخارجيا.