حتى الرمق الأخير، كانت الزهراء، عليها السلام، مُدافعةً صُلبةً عن الولاية التي تمثلت في شخص بعلها الإمام علي، عليه السلام، بعد ارتحال أبيها الرسول الأعظم، صلى الله عليه و آله. و لو لا دفاعها الشديد ذاك، لاختلط الحابل بالنابل، و للبسوا الحق بالباطل، و لعاد المسلمون إلى جاهليتهم، كما عاد إليها بعضهم فعلاً؛ بل إلى أسوأ منها.
و عندما جاءت نساء المهاجرين و الأنصار، يعِدنها في علتها إثر الهجوم الآثم على دارها، و عصرها بين الحائط و الباب، و إسقاط جنينها، و سألنها عن حالها؛ إنفجرت، لا بالبكاء و العويل؛ بل بالتظلم و تقريع رجال المسلمين، و من بينهم أزواجهن؛ فخطبت فيهن؛ فقالت في ما قالت: “أصبحت و الله عائفة بمعنى: كارهة لدنياكن، قالية بمعنى: مبغضة لرجالكن. لفظتهم بمعنى: رميت بهم بعد أن عجمتهم بمعنى: مضغتهم، و شنأتهم بمعنى: أبغضتهم بعد أن سبرتهم بمعنى: تأملتهم، و عرفت عمقهم”… الى نهاية الخطبة الشريفة. و كانت تلك خطبتها الثانية بعد خطبتها الأولى في المسجد النبوي الشريف و التي عُرفت في التاريخ بـ “الخطبة الفدكية”.
و قبل دفاع الزهراء، عليها السلام، عن ولاية أمير المؤمنين، الإمام علي، عليه السلام، كان القرآن الكريم قد دافع عنها و بشدة و ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، (سورة المائدة، الآية ٦٧).
و كان ذلك في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من العام العاشر للهجرة بعد حجة الوداع؛ فبَلَّغ الرسول، صلى الله عليه و آله، ما أُنزل إليه من ربه في الإمام علي، عليه السلام، بتنصيبه إماما و خليفة على المسلمين من بعده؛ فبايعوه على إِمرة المؤمنين فيما عُرف (ببيعة الغدير)؛ فنزل قوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ}. (سورة المائدة، الآية ٣).
و لكن القوم عادوا؛ فنقضوا بيعة الغدير؛ فهل يريدون – بعد ذلك – أن تؤيدهم الزهراء، عليها السلام، على نقضهم لـبيعة الغدير”؟!
و عندما انفجرت، عليها السلام، في وجوه نساء المهاجرين و الأنصار اللاتي هن في عيادتها الآن؛ أرادت توعيتهن أولاً، و لعلهن يُحركن في رجالهن روح العودة إلى ” بيعة الغدير “؛ فلعل هناك من يستجيب لندائها و هو نداء الحق الذي هو نداء الله تعالى، و نداء القرآن الكريم، و نداء محمد و آل محمد، صلوات الله عليهم أجمعين.
-
من فقه حديث الكساء
قالت الزهراء، عليها السلام : “فغطيته به “.
مسألة : “ثم إن فاطمة، عليها السلام، هي التي غطت الرسول، صلى الله عليه وآله، مما تكون أسوة في استحباب تغطية الرحم؛ بل و غير الرحم أيضا؛ لأن المِلاك عام حتى في غير الرحم”. (من فقه الزهراء، عليها السلام، للمرجع الشيرازي الراحل، ج١، ص٧٧).