يشكل الطعام جانبا مهما وأساسيا في حياة الإنسان، فبه قوام الحياة وديمومتها، فكما أنه ـ الطعام ـ يغذي الجانب المادي عند الإنسان وهو الجسد، إلا أنه له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على طهارة الروح، وتنمية الفضائل الأخلاقية عند الفرد، ولذا أولت التعاليم الدينية اهتماما بهذا الجانب، وأعطته مساحة من تشريعاتها.
وقد يسأل البعض: بما أن الالتزام بالفضائل بالأخلاق يمثل جانبا معنويا عند الإنسان؛ فما علاقة الطعام بالتربية الأخلاقية؟
وكيف تؤثر التغذية السليمة والطيبة على روح الإنسان وأخلاقه؟
ـ ورد عن الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله: “من أكل لقمة من حرام لن تقبل له صلاة أربعين ليلة، ولم تُستجب له دعوة أربعين صباحا، وكلُ لحمٍ يُنبته الحرام فالنار أولى به، وإن اللقمة الواحدة تُنبت اللحم”. فمن الطبيعي أن هناك شروط عديدة كثيرة لقبول الصلاة، وقد عدّ أهل البيت عليهم السلام، أربعة آلاف حد؛ منها: حضور القلب وطهارته من أوساخ الذنوب والغفلة، وخلو البطن من المال الحرام، لكنّه ـ الحرام ـ يسلب طهارة القلب ونقاؤه، ويبعده عن حضيرة النور الإلهي والإيمان الرباني.
ـ ونقرأ أيضا في الروايات الواردة عن النبي و أهل البيت، عليهم السلام؛ أن من شروط استجابة الدعاء هو الامتناع عن أكل الحرام، حيث جاء شخص الى رسول الله، صلى الله عليه وآله، وقال له:
أحبُ أن يُستجاب دُعائي، فقال له رسول الله: “طهّر مأكلك ولا تدخل بطنك الحرام”. وجاء في حديث آخر عنه أيضا، صلى الله عليه وآله: “من أحب أن يستجاب دعاءه فلطيب مطعمه ومكسبه”.
إن من الضروري على كل مؤمن أن يتحرى طعامه وشرابه، حتى لا يقع في شراك الحرام، الذي سيقود الى مآلات لا تحمد عقباها دنيويا وأخرويّاً
ومن هذا يُستنتج أن الأكل الحرام يُقسي القلب، وبالتالي لا يستجاب دعاء آكلي الحرام، وتتبين العلاقة الوطيدة بين خبث الباطن وأكل الحرام؛ ما ورد عن الإمام الحسين عليه السلام، في حديثه المعروف يوم العاشر من المحرم، في ذلك الحديث المليء بالمعاني العالية، أمام اعدائه، الرافضين للحق، فعندما حاول المرة بعد الأخرى أن يحولهم من وحل الظلام والجهل الى بوتقة الإيمان والحق، ووصل الى يقين أنهم لن يستجيبوا له؛ قال لهم: “إنكم لا تسمعون الى الحق لأن فقد ملئت بطونكم من الحرام فطبع الله على قلوبكم”.
ـ جاء عن الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله: “مَن ترك اللحم أربعين صباحا ساء خُلقه”. وهذا الحديث الشريف توجيه طبي في غاية الأهمية، أن الإنسان اذا ترك اللحم لمدة طويلة، فسيعقب ذلك سوء الخُلق، وهذا ينعكس على طبيعته النفسية، التي لها التأثيرالمباشر على سلوكه في تفاعله وتعامله مع الآخرين من حوله. وجاءت أيضا رواية مقابلة في العكس تماما، وهو ذم الافراط والاكثار في تناول اللحوم، فإن من شأنه ترسيخ الأمراض والأعراض الخُلقية.
ـ وفي بيان العلاقة بين الغضب والصبر؛ وكيفية الإقلال من فوران الغضب، قال الإمام الصادق عليه السلام: “مَن سره أن يقل غيظه فليأكل لحم الدراج”. وفي رواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: عليكم بالزيت فإنه يكشف المُرة، ويحسن الخُلق”.
لاحظنا في هذه الروايات التأكيد على العلاقة المتبادلة والوطيدة بين التغذية من جهة، والمسائل الأخلاقية من جهة أخرى، والتي تعكس الحالة النفسية والأخلاقية للفرد، ومدى تأثير التغدية على تنمية القابليات الأخلاقية الفاضلة. وهناك مئات الروايات في هذا المجال، لا مكان لذكرها في هذا الايجاز السريع.
-
على مجتمعاتنا الحذر
اليوم ومع اختلاط الثقافات المتنوعة، تحاول الكثير من الحكومات في بلداننا العربية والاسلامية ـ كما فعل الأمويون والعباسيون ـ أن يملأوا بطون الناس من الحرام حتى يتسنى لهم تمرير أهدافهم الخبيثة، فبعد أن يأكل الناس من الحرام، سيفقدون بصيرتهم ووعيهم، وهذه علاقة تكشفها أحاديث النبي وأهل بيته، صلوات الله عليهم. ونرى لها تحققا على أرض الواقع.
وما كلام الإمام الحسين عليه السلام، مع أهل الكوفة إلا خير شاهد على تأثير المال الحرام على بصيرة الفرد والمجتمع ككل، واليوم إذا عدنا الى واقعنا المعاش، ورأينا المجرمين في مجتمعاتنا فسنجد أن بطونهم قد ملئت من الحرام بطريقة أو بأخرى. وقد سعت الأنظمة الطاغوتية في تمرير هذا المشروع الخبيث، على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ نظام البعث في العراق إبان الطاغية صدام حسين.
واليوم تفتح غالبية الحكومات العربية والاسلامية باب الاستيراد على مصراعية من الدول الغربية والشرقية دون ادنى مراقبة، فاللحوم بأنواعها تصل بآلاف الاطنان سنويا الى بلداننا، ولا نعرف مصدرها، وكيف ذُبحت؟
-
الارشاد الصحي الكامل
من الأمور التي أولاها أهل البيت عليهم السلام، في جانب التغذية الصحية ومدى تأثيرها على الحالة النفسية والخلقية ايجابا؛ هي الروايات الكثيرة التي وردت في بيان فوائد الفواكه وتأثيرها على الجسد والروح معا:
ـ عن الإمام الصادق عليه السلام: “شكى نبيا من الأنبياء الى الله عز وجل الغمَّ فأمره الله عز وجل بأكل العنب”. وعن النبي صلى الله عليه وآله، قال: “عليكم بالزبيب، فإنه ينشف المرة، ويذهب بالبلغم، ويشد العصب، ويذهب بالاعياء، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب بالغم”.
ـ وعن الإمام الصادق عليه السلام: “مَن أكل رمانةً على الريق أنارت قلبه أربعين يوما”
ـ وفي وصية، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، لجعفر بن أبي طالب عليه السلام: “يا جعفر كلِ السفرجل فإنه يقوي القلب ويشجع الجبان”.
أما عن فضول الطعام فقد ورد عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “إياكم وفضول المطعم فإنه يَسمُ القلبَ بالقسوة ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ويَضُمُّ الهِممَ عن سماع الموعظة”.
جاء شخص الى رسول الله، صلى الله عليه وآله، وقال له: أحبُ أن يُستجاب دُعائي، فقال له رسول الله: “طهّر مأكلك ولا تدخل بطنك الحرام”. وجاء في حديث آخر عنه أيضا، صلى الله عليه وآله: “من أحب أن يستجاب دعاءه فلطيب مطعمه ومكسبه”
و “(فضول المطعم): يمكن أن تدل تكون اشارة لإدخال الطعام على الطعام، والأكل الزائد عن الحاجة، أو أنها تدل على تناول الطعام المتبقي من الوجبات السابقة، أي بقايا الطعام الفاسد، وعلى أية حال، فإن الحديث يدل على علاقة التغذية بالمسائل الأخلاقية التي تؤطر سلوك الإنسان في حركة الحياة.
ويمكن أن يستفاد من هذا الحديث ثلاثة أمور:
اولا: إن الأكل الزائد يقسي القلب.
ثانيا: ويقعد الإنسان عن العبادة في دائرة الكسل والاسترخاء.
ثالثا: يُصم آذانه في مقابل الوعظ، فلا توثر فيه النصحية والموعظة في خط التربية، وهذا الأمر ملموس فعلا، فإن الإنسان يثقل عند الأكل الكثير، ولا أن يؤدي عبادته من موقع الشوق والرغبة، ولا يبقى لديه نشاط في خط العبادة، وبالعكس في حالة ما إذا تناول طعاما خفيفا، فسيكون دائم على نشاط في حركة الإيمان، ويؤدي عبادته ووظائفه في وقتها المعين لها”. ( الاخلاق في القرآن الكريم ج1؛ الشيخ مكارم الشيرازي).
نقل الفضل بن الربيع أن شريك بن عبد الله دخل يوما على ( المهدي) الخليفة العباسي في وقتها؛ فقال المهدي لشريك:
أعرض عليك ثلاثة أمور، عليك أن تختار إحداها فقال ما هي؟
فقال له: إما أن تقبل منصب القضاء، او تعلم ابني، او تأكل معنا على مائدتنا.
ففكر شريك قليلا، وقال إن الأخيرة أسهلها، فحجزه المهدي، وقال لطباخه:
حضر له انواعا من أطباخ مخاخ الحيوانات المخلوطة بالسكر والعسل.
فعندما أكل شريك من ذلك الطعام اللذيذ، وطبعا ( الحرام) قال الطباخ للمهدي:
إن هذا الشيخ لن يُفلح أبدا بعد هذا الطعام.
فقال الربيع: وفعلا قد صدقت نبوءة الطباخ؛ فإن شريك بعدها قبل منصب القضاء، وعلم أبناء المهدي أيضا.
“وقد أثبت علماء التغذية حديثا أن السلوكيات الأخلاقية عند الإنسان، تنطلق من خلال ترشّح بعض الهرمونات من الغدد الموجودة في جسم الإنسان، والغُدد بدورها تتأثر مباشرة بما يأكله الإنسان، وعلى هذا الأساس فإن لحوم الحيوانات تحمل الصفات النفسية الموجودة في الحيوان، فالضوراي تفعل فعل عناصر التوحش في الإنسان، والخنزير يذهب بالغيرة عن الإنسان، وهكذا لحم أي حيوان يخلّف بصماته على روح آكله مباشرة وينقل إليه صفاته، هذا من الناحية المادية الطبيعية، وأما من الناحية المعنوية، فإن أكل الحرام يُظلم الروح ويذهب بصفاء القلب، ويوهن الفضائل الأخلاقية والصفات النفسية الحميدة”.( الاخلاق في القرآن الكريم ج1؛ الشيخ مكارم الشيرازي).
ولهذا فإن على الإنسان المؤمن أن يختار طعامه بعناية، لما في ذلك أثر مادي ومعنوي مباشر في حياته، وما طرحه أهل البيت عليهم السلام، من برنامج غذائي متكامل يمثل منهاجا كاملا، ودليلا صحيا وافيا يمكّن الإنسان والمجتمع من التمتع بحياة سعيدة، بعيدة عن الأمراض المادية والمعنوية. وما فايروس كرورنا إلا نموذج من ابتعاد البشرية عن المنهاج الغذائي السليم، حيث انه ناتج من أكل الحيوانات والحشرات التي حرمها الإسلام ودعا الناس للإبتعاد عنها.