تختص زيارة عاشوراء، والمسيرة المليونية نحو ضريح الإمام الحسين عليه السلام في كل عام على الأعم الأغلب بأهالي محافظة كريلاء، ويلتحق بهم أعداد أقل من المحافظات الاخرى، بينما يقيم العراقيون مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام في مدنهم ونواحيهم، هذا هو العرف منذ أمد.
وفي هذا العام (١٤٤٢ -٢٠٢٠)، أصر الكربلائيون الغيارى على إحياء هذه الزيارة، بنفس الزخم والحضور الجماهيري المليوني الواسع، وكان القلق الكبير بل التوقع سائداً في الأوساط المسؤولة ككل عن خطورة تفاقم انتشار وباء جائحة كورونا بشكل كبير وواسع بعد الزيارة، وبالاخص في محافظة كربلاء المقدسة، ولكن الذي حدث كان صادماً وخلافاً لكل تلك التوقعات. ولندع الارقام هي التي تتحدث.
“حدث يوم العاشر من محرم ١٤٤٢هجري في كربلاء، والموقف الصحي فيها”
خرجت مواكب العزاء يوم عاشوراء على عادتها السنوية وبزخم وتفاعل قوي، وكأنه تحدٍ لولاء وإيمان المؤمنين أمام الجائحة.
وقالت فضائية الحرة رغم عدم حياديتها: “خطر وباء فيروس كورونا المنتشر في العراق لم يمنع الحشود من المشاركة في مراسم زيارة العاشر من محرم “عاشوراء” في مدينة كربلاء، حيث وصل مئات آلاف إلى المزارات، في مشهد يصعب معه تطبيق إجراءات الوقاية”. والواقع إن معظم الزوار لم يكونوا يضعون الكمامات بحسب المشاهدة والفيديوهات، عن يقين إيماني أن الجائحة وأمثالها لا تصيب زوار الإمام الحسين.
ويومها، أعلنت وزارة الصحة العراقية، في ذات اليوم الأحد 30 آب 2020، عن وفاة شخص واحد مصاب بهذا المرض في كربلاء، وتسجيل 276 حالة شفاء فيها مقابل 269 إصابة.
بقت الأرقام ضمن المعدل الطبيعي، ولم تزدد الحدث عن إصابات بشكل هائل كما يفترض ان يكون بحسب المتوقع المعتاد مع وجود هذه التجمعات الملاينية واختلاطها مع بعض في أجواء مدينة كربلاء المقدسة
“الموقف الصحي في كربلاء المقدسة بعد ٨ أيام من زيارة عاشوراء ١٤٤٢ هجري”
سجلت وزارة الصحة والبيئة عن محافظة كريلاء، في يوم ٧ أيلول ٢٠٢٢م، 194 إصابة جديدة، و4 حالة وفاة، فضلا عن تسجيل 358 حالة شفاء جديدة.
مما حدا بمدير المستشفى الحسيني (أكبر مستشفى حكومي في كربلاء) الدكتور صباح الموسوي أن يصرح: “للأمانة، وهذا فضل من الله، ورحمة رب العالمين، أن معدل الإصابات لم تزداد”، ثم توقع أن تكون زيارة الأربعين القادمة مليونية بعد تراجع الإصابات بكورونا بعد زيارة عاشوراء. جاء ذلك في مقابلة أجرته معه إحدى الشبكات الإعلامية
-
المعجزة الثانية الأعظم
منذ الاسبوع الأول من شهر صفر ١٤٤٢، كانت مواكب خدمة الزوار تزدحم على كل الشوارع المؤدية لمدينة كربلاء، وتوافد الزوار كعادتهم السنوية، وبتفاعل عجيب وكأنه لا وجود ولا خوف من هذا المرض. فكانت الزيارة مليونية، إذ وصل عدد الزوار الى ما يقارب الخمسة عشر مليون زائر.
الموقف الصحي في العراق يوم ٨ صفر، مع بداية توجه ملايين الزوار نحو كربلاء المقدسة
أعلنت وزارة الصحة العراقية يوم (25 أيلول 2020)، عن تسجيل 4593 إصابة جديدة، وبلغت حالات الشفاء 4505 حالة، والوفيات 68 شخصاً.
أما الموقف الصحي في العراق يوم ٢٧ صفر، بعد اسبوع من إنتهاء زيارة الأربعين، وتوافد الزوار نحو النجف الأشرف، حيث اعلنت وزارة الصحة العراقية، في 15 تشرين الأول 2020، عن تسجيل3587 إصابة جديدة بكورونا، وشفاء 3356 شخصاً من الفايروس, والوفيات ٦٥ شخصاً.
أي أن الأرقام بقت ضمن المعدل الطبيعي، ولم تزدد الحدث عن إصابات بشكل هائل كما يفترض ان يكون بحسب المتوقع المعتاد مع وجود هذه التجمعات الملاينية واختلاطها مع بعض في أجواء مدينة كربلاء المقدسة.
قد يقول البعض، لا يمكننا الوثوق بأرقام وزارة الصحة العراقية، الى غيرها من الإشكالات. والرد، هو إن الواقع العراقي هو خير شاهد، فيفترض أن الاصابات بالجائحة بعد المسيرة الأربعينية الملاينية تصل الى مئات الآلاف، وتحدث ازمة كبرى لا تطاق في العراق، وستتولى فضائيات الفتنة التبشير بها. ولم يحدث ذلك!
قد يقول البعض، لا يمكننا الوثوق بأرقام وزارة الصحة العراقية، الى غيرها من الإشكالات. والرد، هو إن الواقع العراقي هو خير شاهد، فيفترض أن الاصابات بالجائحة بعد المسيرة الأربعينية الملاينية تصل الى مئات الآلاف، وتحدث ازمة كبرى لا تطاق في العراق، وستتولى فضائيات الفتنة التبشير بها. ولم يحدث ذلك!
فهل هناك تفسير آخر، غير العناية والرحمة والإعجاز الرباني بزوار الإمام الحسين عليه السلام، وإن ما جرى هو خارج التوقعات والحسابات. وكان معظم من الزوار على يقين تام بإنه لن يصيبهم شيء، وكانوا يقولون كما سمعنا في مقابلات يومية تجرى معهم، نحن نذهب للإمام الحسين عليه السلام وهو الطبيب والمداوي، فكيف نُصاب؟! وغيرها من مقولاتهم الولائية التي كانوا يقولونها بيقين وقناعة.
ما وقع هذا العام حدث عظيم ومعجزة بخلاف كل المقاييس، ويحتاج إلى تسليط الضوء عليه، والبحث فيه.
-
تفسير الحديث بنور أهل البيت عليهم السلام
وهناك من الاحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في فضل وعناية الله بزوار الإمام الحسين عليه السلام، ما يدلنا على كرامات زيارته، وقد أبانها الله تعالى لنا في هذه الأيام بالواقع المشهود.
وتكفينا هذه الرواية في فهم معجزة هذا العام، والتي ذكرها العلامة الصدوق في (ثواب الأعمال)، عن معاوية بن وهب من اصحاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام، يقول فيها…فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول:
“يا من خصنا بالكرامة، وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل افئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولأخواني، ولزوار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضاك، فكافهم عنا بالرضوان، وأكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصبحهم، وأكفهم شر كل جبار عنيد ، وكل ضعيف من خلقك أو شديد، وشر شياطين الجن والانس.
وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم، اللهم إن أعدائنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، وخلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبدالله، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الانفس، وتلك الابدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش”. فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء.
وكم هو فيروس كورونا ضعيف لا يُرى، ولكنه قد احدث ما أحدث في كل العالم، إلا أنه توقف مفعوله وأنهار أثناء الزيارتين المباركتين، واربطوا ذلك بما قاله الإمام في هذه الرواية: (وأكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك أو شديد).
إننا بحاجة للتبشير بعظمة وإعجاز ما حدث هذا العام. والحمد لله الذي أشهدنا كرامة جديدة تضاف الى الآلاف من كرامات سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام منذ شهادته الى يومنا هذا.