يقول الله تعالى: {وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ}. (سورة العنكبوت / آية 40).
الحياة حقل ألغام، ولا يسلم من هذا الحقل إلا من يملك خارطةً تفصيلية، فأين هي هذه الألغام؟
وكيف نتجنبها؟
جعل الله سبحانه وتعالى الحياة كذلك، حتى يختبر الإنسان يقول تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ}، فهذه الدنيا دار فتنة، ومحطة للإبتلاء، ولهذا فإن على الإنسان أن يعرف الآفات والأخطار حتى يسلم منها، وعلى الشعوب أن تعرف اعداءها، حتى لا يباغتونهم في يوم من الأيام.
ففايروس كورونا لو كنا نعرفه حق المعرفة لاتخذنا الاحتياطات اللازمة، ولما فتك بمئات الآلآف من الناس، وتكمن المشكلة في جهلنا بهذا العدو الذي يفتك بنا، وكما يحدث هذا في عالم الطبيعة، كذلك فيما يتصل بسلوك الإنسان، فالإنسان الذي يجهل ما يضره يبتلى بذلك المجهول.
للأسف الشديد هناك من الناس من يبررون أفعال شياطين الأنس التاريخيين، حتى لا يتحمل مسؤولية مجابهة من يمثل اؤلئك في لحظته التاريخية لأنه في كل عصر يزيد وابن زياد
ولعلنا نحن البشر نعرف الله تعالى بنسبة معينة، ونعرف أيضا الرسل والأولياء، الذين هم وسيلتنا إليه ـ تعالى اسمه ـ، ولكننا نجهل الكثير عن الشيطان، الذي يشكل بالنسبة لنا عدو مبين، والله تعالى يخاطب الناس يوم القيامة: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}.
فكما ضرب الله تعالى للقدوات الذين يجب أن نقتدي بهم، وهم الأنبياء، بيَّن لنا أيضا منهم الأشخاص الذين يجب أن نتجنبهم، فعاد كانوا أشخاص أم أقوم، وثمود وقارون وفرعون وهامان ..، هؤلاء يجب أن نتجبنهم، فهم أمثلة السَوء، فعيلنا أولاً أن نعرفهم ونعرف نظائرهم، لكي نحذرهم ونتبعد عنهم، فهؤلاء هم الشياطين، وإذا لم يعرفهم الإنسان، فإنهم يستبدون به، ويغرونه.
وما أكثر هؤلاء الشياطين، يقول الله تعالى عن فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}، فالكثير من طغاة الأرض لبسوا ثوب الخير والفضيلة، وكان لهم مجموعة من المتزلفين، والإعلاميين الذين طبّلوا لهم، ولهذا فعلنا أن نعرفهم هؤلاء، وإلاخسرنا حياتنا في الدنيا والآخرة.
وفي تضاعيف زيارة عاشوراء نرى اللعن على الذين حاربوا أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، نقول في هذه الزيارة:
..وَلَعَنَ الله آلَ زِيادٍ وَآلَ مرَوْانٍ
وَلَعَنَ الله بَنِي اُمَيَّةَ قاطِبَةً
وَلَعَنَ الله ابْنَ مَرْجانَةَ
وَلَعَنَ الله عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ
وَلَعَنَ الله شِمْراً
فمنهم هؤلاء حتى نلعنهم، وقد اصبحوا في مزبلة التأريخ؟
أليسوا معذبين وتحيط بهم النيران؟ فلماذا نلعنهم؟
إن هذا اللعن الموجه إليهم، إنما هو حصانة للإنسان حتى لا يغتر بأمثالهم، ومَن يمثل خطهم، فلو كانت المجتمعات الإسلامية، تعرف من هو شمر، وعمر بن سعد..، ومن هم بنو أمية، لو كان الناس يعرفونهم حق المعرفة، لما تسلط حكّام الجور والطغيان على العراق طلية قرون خلت. فعمر بن سعد وهو ابن احد الصحابة، والذين كان ابوه على إمره جيش المسلمين في معركة القادسية ضد الفرس، اصبح ـ هذا الابن ـ قائداً لجيوش ابن مرجانة التي قتلتْ ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهناك من يحذو حذو عمر بن سعد، كصدام حسين الذي حارب الجمهورية الإسلامية في إيران، وأدخل المنطقة في إتون حرب مدمّرة خلال ثمان سنوات، فأكثر من مليون ضحية سقطوا خلال هذه الحرب، وكل ذلك حصل لأننا لم ندرس التاريخ بصورة صحيحة، وإلا لم نكن لنقع في هذه المأساة.
إن معرفة العدو، لا تقل أهمية عن معرفة الصديق، لأن المثال الشائع يقول: “ألف صديق ولا عدو واحد”
ولهذا فعلينا أننعرف الشيطان، ونعرف مَن يمثله على الأرض، ومن هو الشيطان الأكبر والأصغر، والأقرب والأبعد، فهناك شياطين من الأنس، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}.
إن معرفة العدو، لا تقل أهمية عن معرفة الصديق، لأن المثال الشائع يقول: “ألف صديق ولا عدو واحد”، فالعدو الواحد يمكن أن يقتل، وان يحلق الأذى، ويستلب منا كل الحقوق، وهكذا هو العالم اليوم، فحين يقول الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}، فلا بد أن نعرف من هو الشيطان، والله تعالى قد فصّل القول في الشيطان، كيف كان تمرده، بسبب تكبره، وحسده، وكان يعتز بخلقته أنه خُلق من نار. بينما خلق آدم من الطين.
وللأسف الشديد هناك من الناس من يبررون أفعال شياطين الأنس التاريخيين، حتى لا يتحمل مسؤولية مجابهة من يمثل اؤلئك في لحظته التاريخية لأنه في كل عصر يزيد وابن زياد.
-
زيارة عاشوراء وفضح شخصية العدو
قيمة زيارة عاشوراء أنها تعرفنا بمن هو عدونا، وبمن كانوا لنا أعداءً في التاريخ، وهم بنو أمية، آل مروان، ومن حذا حذوهم، ووردت أحاديث تبيّن أن بني أمية والسفيانيين سيكونون حاضرين في أزمة لاحقة لزمانهم، والنوع من هذه الروايات وجدت بكثرة في كتاب (الملاحم)، وكل ذلك كي نحذر من أمثالهم.
ولقد رأينا كيف أن داعش الوهابية، قدست يزيد وأفعاله، وهؤلاء ـ الدواعش ـ هم مَن مثل بنو أمية في هذا الزمان بأفعالهم الإجرامية، كالذبح والقتل، وانتهاك الأعراض، وجرائمهم ضد الشيعة في العراق كادت لا تخفى على أحد، فقد كانوا يذبحون الشيعي لأنه شيعي!، لأنه يحب ويوالي الإمام علي عليه السلام. حتى الأطفال لم تسلم من بطش هؤلاء الطواغيت، وقد سُئل أحد الدواعش الإرهابيين: لماذا كنتم تقلتون الأطفال؟
فقال: علّمونا ـ مشائخنا ـ أن نقتل أطفال الشيعة، لأنهم سيكون في المستقبل كباراً.
هذا هو منطق اولئك الذين قالوا:
لا تدعوا لهذا البيت ديّاراً، لا نافخ نار، ولا طالب ثأر. كان هذا منطق قادة الجيش الأموي بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، يوم عاشوراء، ولهذا هجم هذا الجيش الظالم على المخيم الحسيني، واحرقوا كل الخيام؛ تقول بعض المصادر أن سبعين طفلا قُتلوا في هذا الهجوم، فمنهم من احترق بالنار، ومنهم من دآسته حوافر الخيول.
نقول في زيارة عاشوراء: ” اللّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلى ذلِكَ”، فمن يكون آخر تابع لهم؟ إنهم هؤلاء الدواعش، وقد يأتي بعدهم من هو مثلهم.
إن علينا أن نُشيع ثقافة عاشوراء، ثقافة اللعنة والتبرؤ من الذين قتلوا الإمام الحسين، عليه السلام، وقتلوا ذريته، واحرقوا خيامه، ولابد قبل هذا أن نعرفهم بأعيانهم وصفاتهم، حتى لا تتكرر المأسآة.
وربما أن كثيراً من الأطفال في العالم، سلموا من القتل بسبب ما عرف الناس عن مصيبة علي الأصغر، عليه السلام، حيث تكرّس لدينا أن الطفل لا يُقتل، ومن هنا فإن علينا أن ندرس التأريخ ونتسوعبه، حتى لا تتكرر المآسي والويلات.
————————–
-
مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي بتاريخ 24- 8 – 2020.