عندما صار أهل الكوفة أمام الأمر الواقع، وأسقط في أيديهم بدعوة الامام الحسين، بالوفاء بعهودهم، كان جوابهم: «حسبنا كتاب الله»، بمعنى أنه يكفينا عن الإمام، وإن كان هو المعصوم والولي المعين بنصّ صريح من رسول الله.
وهذه ليست المرة الاولى التي يتخاذل المسلمون ويميلون عن طريق الولاية، فقد فعلوها أول مرة مع النبي الأكرم في ساعاته الاخيرة فيما وصفه عبد الله بن عباس بـ»رزية الخميس» وامتناعهم عن اعطاء الدواة والكتف للنبي كما طلب منهم وقالوا: «حسبنا كتاب الله»، وتكرر التخاذل مع أمير المؤمنين في حرب صفين، عندما جعلوا الكتاب المجيد وسيلة للتنصّل من الجهاد وتحمل المسؤولية، رغم ان رفع المصاحف ما كان سوى خديعة من عمرو بن العاص، ولم تكن ثمة مصاحف حقيقية، كما ورد في بعض المصادر، فكانت صرخة الامام، عليه السلام، بأن «…هذا قرآن صامت وأنا القرآن الناطق».
نعم؛ أهل بيت النبوة هم القرآن الناطق الذي لم يفارقوه في حركاتهم وسكناتهم واحاديثهم، حتى في أحلك الظروف وأشدها قسوة، كالذي جرى على الامام الحسين وأهل بيته في واقعة الطف، وما بعدها من السبي ومواجهة طغيان بني أمية في الكوفة والشام.
وفي هذا الحيّز، اقتطفنا باقات من احاديث الامام الحسين وأهل بيته في تلك الظروف الحرجة، وكيف انهم استنطقوا الآيات الكريمة لتكون فنارات لمن يطلب النجاة.
-
الإمام الحسين، عليه السلام
في خطابه لجيش عمرو بن سعد في صبيحة اليوم العاشر: «…أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى يدور بكم دور الرحى ويقلق بكم قلق المحور عهدٌ عهده إلي أبي عن جدي، {…فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ}، (سورة يونس: 71) [إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، (سورة هود: 56)».
-
العقيلة زينب، تخاطب أهل الكوفة
«أما بعد؛ يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ…]، (سورة النحل: 92). ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف، والصدر والشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟! أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، […لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ]، (سورة المائدة: 80)».
-
فاطمة الصغرى، تخاطب أهل الكوفة
«أحسدتمونا، ويلاً لكم، على ما فضلنا الله {…ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، (سورة المائدة: 54)، {… وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}، (سورة النور: 40)».
-
الامام السجاد يضيء بالقرآن الكريم
تقول المصادر: إن شيخاً كوفياً دنا من عيال الامام الحسين، عليهم السلام، وهم في حالة السبي، وقال: «الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم»!!!
فقال له الامام السجاد عليه السلام: «يا شيخ، هل قرأت القرآن؟
قال: نعم.
قال: فهل عرفت هذه الآية: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}، (سورة الشورى: 23)؟
قال الشيخ: قد قرأت ذلك.
فقال له الامام: نحن القربى يا شيخ، وهل قرأت في بني إسرائيل: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ}، (سورة الإسراء: 26)؟
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك. فقال: فنحن القربى يا شيخ. ثم قال الامام: وهل قرأت هذه الآية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى…}، (سورة الأنفال: 41)؟
قال: نعم. فقال عليه السلام: فنحن القربى يا شيخ. ثم قال الامام: وهل قرأت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، (سورة الأحزاب: 33)؟ قال الشيخ: قد قرأت ذلك. فقال عليه السلام: نحن أهل البيت الذين خصنا الله بآية الطهارة يا شيخ».
-
العقيلة زينب تواجه يزيد
«الحمد لله رب العاليمن، وصلى الله على محمد وآله أجمعين، صدق الله حيث يقول:
{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ}، (سورة الروم: 10)، أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء، أن بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة!!
وأن ذلك لعظيم خطرك عنده!! فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك ، جذلاً مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عزوجل:
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، (سورة آل عمران: 178).