قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.
لأن القرآن كتاب حياة ومنهج نجاة، جاء لتنظيم حياة البشرية وتوفير السعادة لها، فلم يترك شيئاً يخص حياة الناس دون أن يشير له أو يضع له قانونا و يوفر له منهجاً، حتى تصلح حياتهم، فهو دستور لتنظيم السلوك الاجتماعي للإنسان.
ومن الأمور التي لها تأثير على سلوك الإنسان الاجتماعي والتي يتطرق لها القرآن الكريم، ويضع الأسلوب الأمثل للتعامل معها هي الأنباء والشائعات، وذلك لما لها من تأثيرات سلبية في علاقة الأفراد بعضهم البعض و على حياة المجتمع.
ومن الآثار السلبية للتصديق بالانباء والشائعات من دون التحري والتحليل المنطقي، هو غياب الحقيقة ولبس الحق بالباطل وضياع المصداقية، مما يسبب ذلك إرباك في العلاقات الاجتماعية وعدم الثقة بين الافراد واتخاذ المواقف المرتجلة المبنية على الشائعات، ويؤدي ذلك إلى التباغض والتناحر والعداوة وتفكك أواصر المجتمع وإسقاط الحواجز بين الافراد، وظلم للآخرين والتعدي عليهم وهتك حرماتهم.
[ .. من الآثار السلبية للتصديق بالانباء والشائعات من دون التحري والتحليل المنطقي، هو غياب الحقيقة ولبس الحق بالباطل وضياع المصداقية ..]
وذلك يكون كله بسبب عدم وجود الوعي الكافي والبصيرة والرؤية الواضحة لدى الأفراد التي يستطيعون من خلالها التحري عن الصدق وتحليل الأنباء لمعرفة الحقيقة.
وهذه من المشاكل التي يتعرض لها القرآن الكريم ويعمل على معالجتها وذلك من خلال آياته المباركة، حيث أن في أكثر من آيٍ يدعوا إلى اقتناء الحكمة والبصيرة ويؤكد على أن القرآن هو كتاب هدى وبصيرة فمن تمسك به اهتدى وكان ذا بصيرة، يقول تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فالقرآن دائما ما يدعو إلى التثبت والتحري والبحث عن الحقيقة واتباع الأحسن، وبذلك يريد أن ينظم سلوك الإنسان والمجتمع ويظمن له السعادة، ويسد الطريق على مثيري الشائعات ليقضي على الفتن، وذلك من خلال مايدعوا الناس إلى البحث عن الحقيقة وترك الاباطيل وعدم اتباعها وإنما اتباع الأحسن حيث يقول تعالى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وفي هذه الآية التي توجنا بها الحديث حيث يدعوا الله تبارك وتعالى إلى التبيّن من الأنباء وتحليلها قبل تصديقها وبالتالي اتباع الأحسن منها.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}
والتبيّن والتحليل للأنباء والشائعات يكون من خلال الخطوات التالية :
أولاً: معرفة مصدر أو خلفية الخبر أو الشائعة أو الفكرة المطروحة في المجتمع. ان من طرق التحليل والتبيّن هو معرفة المصدر الذي انطلق منه هذا النبأ، ومعرفة ما إذا كان هذا المصدر ثقة وممن مشهود له بالصدق والإيمان ويمكن الاعتماد والأخذ بكلامه. أو ما اذا كان معروف بالنفاق والدجل وتزييف الحقائق فهذا لايمكن التصديق به ولا الاعتماد على اخباره.
ثانياً: معرفة الآثار التي يتركها ذلك الخبر أو تلك الفكرة على المجتمع وعلى الأفراد أيضا. فهل ياترى قد خلف تأثيراً إيجابياً ونتائج جيدة أم أنه قد خلف تأثيراً سلبياً ونتائج سيئة، فمن خلال التأثير الذي يتركه نستطيع أن نتبيّن ونحلل الأنباء.
ثالثاً: معرفة الجهة المستفيدة من تلك التأثيرات التي تركها، وفي أي مصلحة يصب ذلك النبأ فيا ترى مَن هو المستفيد من تلك الأنباء وماهي المصلحة التي يستفيدها؟!
فمن خلال هذه الثلاث خطوات يمكن لنا التبيّن والتحليل الذي أمرنا به القرآن الكريم قبل أن نحكم أو نؤمن ونعتقد بما يأتي إلينا من أنباء وشائعات وأفكار. حتى لا نستعجل بقرارتنا واحكامنا وقد نظلم الآخرين وبعد ذلك نصبح من النادمين، فالقرآن يريد لنا سلوك منضبط وعلاقات متينة مبنية على الحب والتآلف والتعاون فهاهو يعالج كل ما بشأنه أن يخل بذلك.