كتاب نظام التفاهة لمؤلفه د.الآن دونو والذي بالرغم من صدوره في العام 2017 أي قبل ازمة كورونا، ألا أنه يروي لنا الكثير من هفوات الحضارة المادية الغربية والتي أوصلتها اليوم إلى هذه النهاية المؤلمة.
يقول الكاتب :”نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة نظام أدى تدريجيا، إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة”
“يدعم التافهون بعضهم بعضا، فيرفع كلٌّ منهم الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع. ما يهمّ هنا لا يتعلق بتجنّب الغباء، وإنما بالحرص على إحاطته بصور السّلطة”
“الشبكات الإجتماعية ومواقع التواصل الإجتماعي كفيسبوك وتويتر وإنستاجرام, هي مجرد مواقع للقاء إجتماعي وتبادل الأراء لا أكثر فيها يتكون (عقل جمعي) من خلال المنشورات المتتابعة هذا الفكر التراكمي السريع الذي يبلور _بسرعة ودقة_موضوعاً محدداً نجح في إختصار مسيرة طويلة كان تبادل الأفكار فيها يتطلب أجيالاً من التفاعل (مناظرات خطابات مراسلات كتب نقد الكتب نقد النقد )، حقاً لقد أفلحت مواقع التواصل الإجتماعي في تمييز التافهين !”
[.. في الثقافة والإعلام فعليك أن تحبب الناس بالفن والموسيقى وغيرها من الأمور لا لشيء وإنما لكي يصبح الفنان او الممثل دعاية لسلعة معينة (غذائية, ملابس, دعاية سياسية) ..]
هنا نعود إلى المترجمة الدكتورة الكويتية مشاعل عبد العزيز الهاجري التي أوضحت بأن “Mediocaracy/ الميدوقراطية” كلمة جديدة على القاموس نسبيا، فلم تظهر إلا حوالي عام 1825، وهي تعني النظام الاجتماعي الذي تكون الطبقة المُسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين، أو الذي تتمّ فيه مكافأة التفاهة والرداءة عوضا عن الجدية والجودة، وبشكل عام “نظام التفاهة” مجرد مقاربة تتعلق بوصف نظام اجتماعي يراد نصبه كنموذج، كما هي الحال مع الديمقراطية والتكنوقراطية مثلا”.
كما يتحدث الكاتب ايضاً عن تبعية الجامعة في الغرب للشركة والسوق وليس المقياس العلم كما يقولون لنا، فيكفي لأن تحصل على بحوث لشركتك بأن تقيم حفلاً لدعم الجامعة .
كما ان بعض الجامعات وصلت لمرحلة إنتاج بحوث تطعن حتى في الأمور البديهية دعماً للمصنع كبحث يثبت عدم علاقة الكوكا كولا بداء السكري أو عدم علاقة دخان المصانع بالاحتباس الحراري !
أما في السياسية فيكفيك أن تقيم مستوصف بسيط ومدرسة متواضعة في هاييتي وغيرها من دول أفريقيا الغنية بالثروات الطبيعية بحجة المساعدات، لكنك تنهب ليل نهار مناجم الذهب هناك دون حسيب او رقيب هذا في الخارج اما الداخل فكثير من الاحزاب السياسية المتنفذة في بلدانهم والرؤساء هم تبع لمنظمات اقتصادية وعصابات مافيا تستفيد من صعودهم لتحقيق أغراض وأرباح.
[.. “الميدوقراطية” كلمة جديدة على القاموس نسبيا، فلم تظهر إلا حوالي عام 1825، وهي تعني النظام الاجتماعي الذي تكون الطبقة المُسيطرة فيه هي طبقة الأشخاص التافهين، أو الذي تتمّ فيه مكافأة التفاهة والرداءة عوضا عن الجدية والجودة، وبشكل عام، نظام التفاهة ..]
وفي الثقافة والإعلام فعليك أن تحبب الناس بالفن والموسيقى وغيرها من الأمور لا لشيء وإنما لكي يصبح الفنان او الممثل دعاية لسلعة معينة (غذائية, ملابس, دعاية سياسية) وإن لم يفعل ما يطلب منه فلن تجعله الماكنة الإعلامية (مشهوراً)، بالمختصرعليك أن تعرف (كيف تلعب اللعبة) كما يقول الكاتب هكذا حضارة عالم_التفاهة هي بالفعل كما وصفها العقلاء بيت العنكبوت تنهار مع أول أزمة والدليل أزمة كورونا.
فقد توجهت مجلة Foreign Policy الأميركية إلى اثني عشر خبيرا ومختصا في العلاقات الدولية، بالسؤال الآتي: كيف سيكون العالم بعدما يزول وباء كورونا ـ 19؟
وكانت جميع الأجوبة تتراوح وتدور في دائرة صعود الشعبوية، والعودة إلى مركزية الدولة واحتمالية ضعف العولمة، واحتمالية صعود النموذج الصيني وزيادة التنافس الاقتصادي بين الصين وأميركا، والتنبؤ بأزمة تهدد الاقتصادي العالمي. لكن لم يتنبأ لنا أحد باحتمالية إعادة التفكير بالقيم التي أنتجتها الرأسمالية.
فهذا الفيروس الذي ذل كبرياء الأنظمة الشمولية والديمقراطية والاقتصادات العالمية، قد يكون بوابة لإعادة التفكير في المدخلات التي أنتجت نظام التفاهة، إذ تعلمنا من التاريخ أن العالم والأفكار لا يتغيران إلا بعد أن تقع الكارثة. أو يبقى سؤالنا كما ذكره الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو في الصفحات الأخيرة من رواية الطاعون: “إذا كان ممكنا التفكير بأن الطاعون لن يغير شيئا في المدينة، وأن كل شيء سيعود كما كان من قبل، أي كما لو أن شيئا لم يحدث… إن ما كان يعنيه، هو أن يعرف ما إذا كان النظام نفسه لن يتغير”.