عندما نَذكر علياً، عليه السلام، كأننا نحاكي القلب، ونناديه: جاء الحبيب، فتراه يحنُّ ويطيبُ لهذا الذكر العجيب، وذلك لأن “ذكر علي عبادة“، و”النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة”، و”زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ بن أبي طالب“، والخلق مفطورون على الخضوع والخشوع والعبادة، لأنها سبب خلقهم، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. (الذاريات: 56).
وهو الذي علَّمنا أن “مَن أحَبَّ شَيئاً لَهِجَ بِذِكرِهِ”، فنحن نلج بذكر علي، عليه السلام، حباً له، وشوقاً إليه، ونُديم ذكره على ألسنتنا وفي كل حركاتنا، قيامنا وقعودنا، ونومنا ويقظتنا، وكل تصرفاتنا تكون برسم واسم علي ونتوِّجها بذكر علي، فلا ننفك من قولنا: “يا علي”، و”يا علي مدد فأنت كهفي والسند”، رضي مَنْ رضيَ وإن تغيَّر وجه الناصبي فهذا شأنه، وتلك هي طينته، فالذنب لأمه وليسألها عن حاله كما كان يفعل الأنصار، حيث أمرَ الله ورسوله بحب أمير المؤمنين، عليه السلام، وتأديب أبنائنا بحبه لأنه الأدب الأرقى، وحبه الحب الأنقى، حيث قالت الأنصار: “إن كنّا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه عليَّ بن أبي طالب”.(تاريخ دمشق: 42).
وقال جابر بن عبد الله موجِّها النصار: “عليّ خير البشر، فمَنْ أبي فقد كفر. يا معشر الأنصار! أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ، فمن أبي فانظروا في شأن اُمّه” (علل الشرائع).
-
الحب ولاء
ولكن الحب ليس مجرَّد لقلقة لسان، وادِّعاء من الإنسان بالحب فقط، بل الحب هو الولاء المطلق للمحبوب، فادعاؤنا للحب إذا لم نقرنه بالولاء لأمير المؤمنين، عليه السلام، ربما نكون كأصحاب الجباه السود – والعياذ بالله – الذين مرقوا من الدِّين كما يمرق السهم من القوس، حيث لم يكتفوا بعصيان أوامر إمامهم وأميرهم، بل كفَّروه وجاؤوا يطلبون منه الاعتراف بذلك.
وهؤلاء نراهم اليوم يُكفِّرون الأمة الإسلامية قاطبة، وكل مذهب، وطائفة لها سببها ليُكفِّروها ويستبيحوا دماءها، وكذا أموالها وأعراضها بتجمُّدهم وتجلُّدهم على الباطل فصاروا مطية للشيطان الرجيم ينطق بألسنتهم، ويضرب ويفتك بأيديهم الآثمة الظالمة.
الولاء الحقيقي والواقعي هو ذلك الالتزام الكلي بأمر القائد، والتسليم المطلق لأهل الولاية وهم النبي، وأهل بيته الطاهرين
-
الولاء اقتداء
وعندما تذكر علياً، عليه السلام، لا بد أن تذكر حبه و ولاءه، وتتذكر الولاية لأولياء الله، وهذا يعني أن الولاء له من الفطرة السليمة التي غرسها الله في الطينة الطاهرة لكل مولود يولد على الفطرة الطاهرة ولم يتلوث ولم يتنجس مادياً ومعنوياً، ولا يُمكن أن تفصل عقيدة الولاء عن العمل بمقتضى تلك العقيدة، فالولاء النظري يبقى إدِّعاءً ما لم يقترن بالتطبيق العملي في أرض الواقع، فيكون ولاؤك يدفعك لتقتدي بإمامك وأميرك في كل شيء، لا سيما اليقين بأنك على الحق، ثم الأخلاق الفاضلة، فقد كان كرسول الله، صلى الله عليه وآله، “خُلقه القرآن” الحكيم.
وكم هو جميل ما يقوله السيد حسين الحوثي في أحد دروسه القرآنية عن الولاء العلمي والعملي لأمير المؤمنين الإمام علي، عليه السلام : “هذا ما يجعلنا فعلاً نثق بأنه متى ما سلَّمنا قلوبنا، متى ما سلَّمنا مشاعرنا لله سبحانه وتعالى، وانطلقنا بثقة عالية إلى القرآن نتثقف به، سنعرف كل شيء، لأن القرآن تفصيل لكل شيء، وستكون إنساناً لا يمكن أن تُضلَّ، إنساناً لا تُخدعَ، إنساناً تفهم الأحداث، تفهم أهمية الأحداث ما كان منها حقاً وما كان منها باطلاً، تفهم خطورة الأحداث التي بدتْ صغيرة عند الآخرين، يجب أن نلتفَّ حول القرآن وأن نكون صادقين في ولائنا للإمام علي وأن نعرف أهمية التولي للإمام علي ،عليه السلام.
لن نكون من حزب الله الغالبين ما لم نكن على هذا النحو من الولاء لعلي، عليه السلام، الولاء الصادق، والعملي الذي يجعلنا نستلهم من علي كيف نتحلى بأخلاق علي، وكيف نتحلى بنظرة علي، باهتمامات علي وسنرى كيف سنكون في مواقفنا، في اعتقاداتنا، في نظراتنا، في توجهنا، منسجمين مع القرآن لأن “عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع علي” كما يقول الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله.
ما دمنا نؤمن بالولاية العلوية، ونأخذها بهمة حيدرية علينا الالتزام والطاعة المطلقة للمرجعية الحكيمة والقيادة الرشيدة النابعة من صميم العقيدة لأننا لن ننتصر إلا بذلك
-
الولاء للقيادة الربانية
والولاء الحقيقي والواقعي هو ذلك الالتزام الكلي بأمر القائد، والتسليم المطلق لأهل الولاية، لأنهم هم الأعرف والأعلم، والأتقى، والأنقى، والأفهم في استنباط الأحكام، وتبليغ الأنام، ألم يُبين ذلك رسول الله، صلى الله عليه وآله، في حديث الثقلين المتواتر حيث يقول: “إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلموهم فانهم أعلم منكم”. (بحار الأنوار: ج 25 ص221).
كما ويشرح لنا مكانة العترة الطاهرة بقوله: “ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً، لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يُخرجونكم من باب هدى، ولا يُدخلونكم في باب ضلال”. (بحار الأنوار: ج 49 ص180).
فالقائد الرباني هو الإمام المعصوم – كما نعتقد – لهذه النُكتة لسلامة المسيرة، وضمانة عدم الانحراف، والتيه والوقوع في الضلال من حيث نريد الهدى، ولهذا نرى هذه الطوائف المختلفة التي سارت كل في اتجاه تاهوا كتيه بني إسرائيل في صحراء سيناء، والعجيب أنهم كانوا أربعين سنة يدورون في عدة كيلو مترات فقط، ولا يهتدون إلى طريقٍ يُخرجهم لأنهم تركوا القيادة الربانية المتمثلة بهارون، وموسى عليهما السلام، وهذه الأمة تاهت عندما تركت هارونها وقائدها وإمامها أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
وجميل أن نأخذها من السيد المرجع آية الله محمد تقي المدرسي، حيث يقول: “وأبرز مظاهر الحَرْفِيَة في الإيمان الشك في القيادة الربانية عندما تأمر بعمل صعب، أو يخالف قرارها هوى النفس، أو حينما تتعرَّض لنكسة أو هزيمة؛ وإن مصير الحَرفيين الارتماء في أحضان القيادات الجاهلية، كالسلطات الطاغوتية، أو الجهات الملحدة، أو الفئات المنحرفة.. وهذا يُعتبر شركاً ظاهراً في منطق القرآن، وهو في ذات الوقت ضلال بعيد”. (تفسير من هدى القرآن: ج5 ص 363).
ويقول سماحته في موضع آخر متسائلاً: “لماذا جيء بنا إلى الحياة الدنيا؟ وما هي أهدافنا الكبرى فيها؟ وما هي سنن الله الحاكمة؟ واختلاف الناس؟ وما هو الموقف المناسب والموازين الحق؟ وكيف نعرف بها أمورنا؟ وعشرات من البصائر القرآنية التي يؤتيها ربنا الذين آمنوا واتقوا.. وتجسد القيادة الرسالية هذه البصائر فيما تطرحه من مواقف أو تصدره من أوامر، لذلك فهي أيضاً نور للمتقين المتمسكين بها، ومع أن مصدر النور هو الوحي إلا أننا بحاجة إلى القيادة الربانية، لأنها الأقرب إلى حقائق الوحي، فهي المرآة الصافية التي تعكس حقائقه بصدق وأمانة ووعي، وما أحوجنا إلى هذا النور ونحن نعيش في عالم كثرت فيه البدع، والمذاهب الضالة، ووسائل الإعلام والثقافة المضللة”. (تفسير من هدى القرآن: ج10 ص 309).
هذه القيادة اليوم تتمثل بالمراجع العظام والفقهاء الكرام، الذين أُمرنا بالرجوع إليهم من أئمتنا في زمان الغيبة، لنأخذ منهم أحكامنا، وتكاليفنا في هذا الزمن الأغبر الذي تكالبت فيه قوى الشر والطغيان، وسماسرة الضلال من أبواق السلطان، وأقلام الشيطان، ليحرفوا هذا الجيل الغض الطري الذي تفتح على هذه الدنيا ولم يرَ منها إلا أبشع أنواع الفسق والفجور والانحلال والانحراف عن الملة والعقيدة وهجر الدِّين من أصل والعياذ بالله من سوء العاقبة.
فمراجعنا وفقاؤنا هم قادتنا إلى الحق، وروَّدنا إلى والخير والفضيلة التي هُجرت في عصر الرذيلة كما هُجر القرآن الحكيم بكلا طرفيه (الصامت والناطق) فصار كلمات وحروف وأصوات ونغمات وتركنا المعاني الفكرية، والمباني الحضارية فيهما.
والعجيب الغريب أن علماء والغرب ومفكريهم توصلوا إلى حقيقة مفادها: “أن قوة المسلمين بالقرآن والكعبة المشرفة، وأن قوة الشيعة بالمرجعية والحوزة، والحسين والشعائر الحسينية”، ولذا تراهم كل أعمالهم ومخططاتهم، وتركيزهم على هذه المناطق القوية في الدين والتشيع، فصبوا جام حقدهم، وحسدهم، عليها لكي يُضعفوها في الأمة.
فما دمنا نؤمن بالولاية العلوية، ونأخذها بهمة حيدرية علينا الالتزام والطاعة المطلقة للمرجعية الحكيمة والقيادة الرشيدة النابعة من صميم العقيدة لأننا لن ننتصر إلا بذلك، وتجربتنا في السنوات الماضية في جميع الجبهات لمحور المقاومة أكبر شاهد ودليل على ذلك فلولا فتوى الدفاع المقدس، وتشكيل الحشد الشعبي لما بقي العراق، ولبيعت نساءنا وبناتنا بالأسواق.