ما أن انتشر فايروس كورونا في بلاد المقدسات (العراق)، وقبلها في الجمهورية الإسلامية، حتى ظهر الفرح بالحدث عند البعض من الشامتين، فبدأ بالإستهزاء بالمؤمنين والسخرية منهم.
وفي الوقت الذي أخذ الشيعة في كلا البلدين بما يمليه عليهم العقل من أخذ الحيطة في تعقيم أماكن التجمع والتجمهر، وشمل ذلك الأماكن المطهرة والمراقد الشريفة، حتى ظهرت حسيكة النفاق عند الخصم، وبانت صورته الحقيقية فبدأ بالتشكيك في
عقيدة الإمامة، وبثّ سمومه التيمية القديمة، حتى كتب أحد المدونين من “انفسنا” المشهور برفع شعارات “نريد_وطن” والمدافع ـ في الظاهر ـ عن المظاهرات المطلبية الشيعية، كتب: “متى يستفيق الشيعة من خرافات التمسح بالقبور، فها هو قبر علي بن ابي طالب الذي يطلبون منه الشفاء يُعقّم لكي لا ينقل العدوى”!
ولست في مقام الرد على هذا وأمثاله، إذ أن هذه الشبهة هي نسخة مطابقة للأصل من شبهات قديمة رد عليها العلماء بأفضل الردود، ولكن حيث إن ما ينشره هؤلاء قد يؤثر على بعض من هو قليل الإطلاع فلابد من إيقاع الرد عليه في بعدين:
-
البعد الأول: جانب الشهود
لا يخفى أن القوانين الطبيعية والقوانين الغيبية كلاهما من تقدير الله تعالى، وقد أمر الله تبارك وتعالى بالأخذ بهما معاً، ومن هنا فإن المؤمن بالرغم من إيمانه بالله وأن الشفاء منه ولا شفاء في الدواء إلا إذا أذن الله، فإنه يأخذ بالأسباب الطبيعية، ليس لشيء سوى لأن الله تعالى قد أمر بذلك.
لم يكن إيمان الشيعة الإمامية بالغيب، معطلاً عقولهم ـ كما فعل بعض المتصوفة والعرفاءـ ولم يجعلوا الأسباب الغيبية بديلاً عن الأسباب الطبيعية
فحتى كليم الله موسى، عليه السلام، الذي يطلب حتى ملح طعامه من الله تبارك وتعالى، عليه أن يرجع إلى الطبيب لأن الله جعله سبباً للتداوي.
ومن هنا نعرف أن الشيعة الإمامية لم يكن إيمانهم بالغيب، معطلاً عقولهم ـ كما فعل بعض المتصوفة والعرفاءـ ولم يجعلوا الأسباب الغيبية بديلا عن الأسباب الطبيعية.
وهذا يفسر لنا ما يرتبط بتعقيم البقاع المقدسة كالمسجد الحرام ومراقد المعصومين، عليهم السلام، فهذه مراقد تجري عليها القوانين الطبيعية أيضاً، فعلى سبيل المثال فإن هذه الأماكن تحتاج إلى تنظيف مستمر من الأتربة والأوساخ التي تكون بسبب الناس أو العوامل المناخية، لا لنقص حصل فيها بل لأن الله تعالى أجرى الأمور كذلك، وقد أمر الرب –تعالى- النبيّين العظيمين إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، بتطهير المسجد الحرام فقال: {وطهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود}.
ولعل منشأ الخلط عند البعض هو تصوّر أن البقاع المطهرة تعطِّل القوانين الطبيعية دائماً، والحق أنها ليست كذلك، وإنما هي بقاع يضاف فيها القوانين الغيبية الى القوانين الطبيعية.
-
البعد الثاني: جانب الغيب
لا يكتمل الإيمان إلا إذا آمن الإنسان بالغيب، وبأن الله تعالى مهيمن على خلقه فـ {الرحمن على العرش استوى}، وهو {فعالٌ لما يشاء}، وهذه العقيدة هي لا تنفك عن عقدية الشيعة الإمامية، فنحن نؤمن وبكل ثقة أن لله تعالى أن يعطل الأسباب الطبيعية إذا أراد، فالنار الحارقة تكون برداً وسلاما على إبراهيم.
لا يكتمل الإيمان إلا إذا آمن الإنسان بالغيب، فنحن نؤمن وبكل ثقة أن لله تعالى أن يعطل الأسباب الطبيعية إذا أراد، فالنار الحارقة تكون برداً وسلاما على إبراهيم
ومن ذلك ما أعطي الأئمة، عليهم السلام، من كرامات ومعاجز، فأكل الطين فضلاً عن كونه حراماً، مضرٌ بالبدن، لكن الله شاء أن يجعل الشفاء في تربة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، دون غيرها الشفاء.
وهذا الإيمان بأن اهل البيت، عليهم السلام، هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأن مراقدهم هي مواضع رحمة الله، وهي أطهر بقاع الأرض ولا سبيل للمؤمنين إلا الإلتجاء إليها إذا ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت وتقطعت الأسباب، أقول، هذا الإيمان لا ينافي الأخذ بالأسباب الطبيعية من الإحتياط والتطهير والتعقيم.
وهذا يذكرنا بما فعله أمير المؤمنين، عليه السلام، حين غسّل النبي، صلى الله عليه وآله، بعد شهادته، فحين سُئل هل نَجَس بدن رسول الله، صلى الله عليه وآله، حين موته؟، قال: “لا”، فقال السائل: لماذا غُسّل إذن؟ فقال عليه السلام: “لأنه جرت به السنّة”.