اهتم الاسلام بالجوانب الروحية والمادية للانسان على حد سواء، وعلى هذه الثنائية (الروحية-المادية) تقوم الكثير من تشريعاته ووصاياه، ويتوجب على الانسان شرعا وعقلا الالتزام بهذه الثنائية في هذه التشريعات لانها تمثل الدين، وليس للانسان ان يلتزم بجانب دون آخر.
لم يجعل الله تعالى داءً إلا و وضع له دواء، ومن الجهل ترك جانب منهما، فلا يعوض احدهما عن الاخر لان الله تعالى جعل للحياة والكون سننا تقوم على الاسباب والمسببات وهذه الاسباب منها ماهو مادي ومنها ماهو معنوي
وهكذا؛ فلا يمكن له في الصيام –مثلا- بان يكتفي بصوم جوارحه التي تمثل البعد الروحي في عبادة الصيام، ويترك صوم الطعام والشراب التي تمثل الجانب المادي والصحي فيه، ولذلك فقد جاء الحديث الشريف: “صوموا تصحوا”. والصلاة بالإضافة لكونها عبادة روحيّة، ودعاء، و صِلة العبد بربه، فانها ايضا تتضمن أفعالاً وحركات خاصة، لا تتعلق بالبعد الروحي وانما بالجانب الصحي والوقائي. كما أكد الاسلام على الطهارة بشقيّها؛ المعنوي- الروحي، والمادي، فشرّع الوضوء على نحو الوجوب للصلاة والاستحباب لذاته، وايضاً استحباب الاستنشاق والمضمضة والوضوء قبل الاكل وبعده، وكيفية شرب الماء، و آداب الطعام، والنظافة والغسل، وهذا من آلاف الامثلة على تشريعات ووصايا الاسلام المادية عموماً، والوقائية والصحية خصوصا، مما يؤكد على ثنائية الجانب الروحي والمادي، والتي يوجب علينا الاسلام الالتزام بهما معاً كشريعة سماوية قائمة على فلسفة شاملة كاملة، وعدم الاقتصار على الروحانيات فقط في التعامل مع الامراض، فلم يجعل الله –تعالى- داءً إلا و وضع له دواء، ومن الجهل ترك جانب منهما، فلا يعوض احدهما عن الآخر لان الله –تعالى- جعل للحياة والكون سنناً تقوم على الاسباب والمسببات وهذه الاسباب منها ماهو مادي ومنها ما هو معنوي يجب ان لا يتعداها الانسان.
في الوقت الذي يتوجب علينا الاستعانة بالعبادة والدعاء والاستغفار، لكشف الامراض و الأوبئة، فان ترك الاحتراز والوقاية وفق القواعد الصحية والعقلية من الامراض، كمرض كورونا المستجد –مثلا- لا ينسجم مطلقا مع توصيات الاسلام
واليوم وفي الوقت الذي يتوجب علينا الاستعانة بالعبادة والدعاء والاستغفار وان نبتغي الى الله –تعالى- الوسيلة لكشف الامراض والاوبئة، فان ترك الاحتراز والوقاية وفق القواعد الصحية والعقلية من الامراض كمرض كورونا المستجد –مثلا- لا ينسجم مطلقا مع توصيات الاسلام ولا ينسجم مع ثنائية الجانب الروحي- المادي، التي تضمنتها تشريعات الاسلام ووصاياه، ولا تنسجم مع السنن الالهية حتى ولو كانت هذه الاجراءات الوقائية في أقدس بقاع الارض، كبيت الله الحرام، او في المراقد المقدسة، لان الالتزام بتشريعات السماء بجانبيها الروحي والمادي يجب ان يكون على أشده في هذه المشاهد المشرفة لانها اكثر الاماكن التي يجب ان يطاع الله فيها، وهذه الطاعة توجب علينا الالتزام بالبُعد الوقائي المادي الى جانب الروحي على حد سواء كونهما سنناً الهية لا تستقيم الحياة بدونهما، و كونهما يمثلان ثنائية التشريعات السماوية، ومن ثمّ لا تتحقق طاعة الله بترك احدهما.
واذا كانت النتائج المادية تاتي عند تحقق اسبابها المادية حيث ان الانسان يتقي المرض بالوقاية، ويقضي عليه بالعلاج، فان النتائج الغيبية والمعنوية هي الاخرى تتحقق عند الاتيان باسبابها المعنوية لان الكون بُني على سنن الهية ثابتة، إذ يقول تعالى: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}، إلا ان هذه الاسباب؛ و لانها معنوية وتخضع للنيّة وتأثيرات الهوى وصلاح الانسان و ايمانه، فليس باستطاعة الانسان قياسها بشكل دقيق، فربما يعتقد انه حقق هذه الاسباب، بينما في حقيقة الامر لم يحققها؛ فيدعو الله –تعالى- مثلا، فلا يستجاب له، وما ذلك إلا لانه لم يحقق بمتطلبات الاسجابة ومنها؛ “القلب السليم”، و”التقوى” التي جاءت في آيات عديدة بالكتاب المجيد. من أبرز مصاديق السنن الإلهية في هذا المجال الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، (سورة محمد، الآية7).
كما ان بعض هذه النتائج والتدخل الالهي المباشر يخضع لامور غيبية خارجة عن معرفة الانسان، لذا نجد ان الغيب يتدخل وفق السنن الالهية الغيبية فيحمي بيته الحرام بحجارة من سجيل تارة، ويترك جيش يزيد -لعنه الله- يحرق هذا البيت تارة اخرى، وهذه امور غيبية لا يعلمها إلا الله –تعالى- وتبقى يد الغيب هي الحاكمة وفق السنن الالهية، ويبقى دعاء المؤمن -بعد الاتيان بكل الاسباب المادية- هو سلاح المؤمن الامضى اذا حقق الانسان متطلبات هذا الدعاء.